الحجة الثالثة : أنها لو كانت قديمة موجودة قبل وجود البدن ، لقد كانت توجد فيه ، وهى من القوة والكمال على حد واحد من غير زيادة ، ولا نقصان ؛ والتالى باطل بما نشاهده من ضعفها فى ابتداء حدوث البدن ، وانتقالها معه من ضعف إلى قوة ، ومن عجز إلى قدرة ، وعلى حسب انتقال البدن من ضعف إلى قوة ، ومن صغر إلى عظم ، ومن نقص إلى كمال (١).
الموضع الثانى : اختلفوا فى وحدة النفس الإنسانية وتكثرها.
فقال بعضهم : إنها فى جميع الأشخاص واحدة بالشخص ، وأن نفس زيد هى نفس عمرو ، وأن نسبتها فى أفعالها المختلفة مع اتحاد جوهرها إلى الموضوعات المختلفة من أشخاص الأبدان الإنسانية كنسبة الشمس مع اتحادها فى اختلاف تأثيراتها عند إشراقها على زجاجات مختلفة الألوان فى الألوان الحادثة / عنها محتجين على ذلك بأن قالوا : قد ثبت أن النفس قديمة بما سبق (٢).
وعند ذلك : فإما أن تكون متحدة لذاتها ، أو متكثرة. والقول بالتكثر محال ؛ لما سبق (٣).
وإن كانت متحدة لذاتها ، فالمتحد بذاته يمتنع تكثره ؛ وذلك هو المطلوب.
ومنهم من قال : بأن النفوس الإنسانية متعددة متكثرة (٤) بتكثير أبدانها رادين على من تقدم ، بأنه لو كانت النفس واحدة بالشخص مع تعدد أبدانها ؛ لكان كل ما يوجد من الفعل ، والانفعال ، وينتج من العلوم والأحوال منسوبا إلى نفس شخص واحد معين ، منسوبا إلى غيره من الأشخاص حتى لا يعلم وهم يجهلون ، ولا يجهل وهم يعلمون ، ولا يكون مريدا ، وهم كارهون ، ولا كارها ، وهم مريدون ، وبالجملة لا يكون متميزا عنهم بحال من الأحوال ، ولا فعل من الأفعال ؛ ضرورة أن ما فرض من الأفعال ، والأحوال ؛ فإنما هى
__________________
(١) قارن ما ورد هنا بما ورد فى الإشارات لابن سينا ص ١٢٠ والنجاة له أيضا ص ١٨٣ ، ١٨٤ والروح لابن القيم ص ٢١١.
(٢) راجع ما مر فى ل ٢٠٤ / أوقد احتج القائلون بقدمها بحجتين :
(٣) راجع ما مر فى ل ٢٠٤ / أ ، ب.
(٤) يعرف هذا القول لأفلاطون (فقد كان يقول بوجود ثلاثة نفوس : النفس العاقلة ، والنفس الغضبية ، والنفس الشهوانية). [تاريخ الفلسفة اليونانية د. يوسف كرم].