إلى حار ، ومن رطب إلى يابس ، ومن يابس إلى رطب ؛ بل كان يتبدل ، وينتقل من خلق : إلى ضده على حسب ما يقع الانتقال فى المزاج من ضد إلى ضد.
وأيضا فإن من سلف من الحكماء ـ قد حكموا فى الأنواع المختلفة من ذوات النفوس بأن اختلاف أمزجتها ، وأشكالها ، لاختلاف نفوسها فى طبائعها وخواصها حتى كانت حرارة مزاج الأسد مقصودة ، لموافقة نفسه فى الشجاعة والحرارة ، وبرودة مزاج الأرنب : لموافقة نفسه فى الضعف والجبن.
فما بال الاختلاف بين الأنفس الإنسانية لا لذواتها ؛ بل لا لاختلاف أمزجة أبدانها.
وربما احتجوا [على ذلك أيضا] (١) بحجج خطابية (٢) مأثورة عن الأسلاف منهم وذلك ما نقل عن أرسطاطاليس (٣) أنه قال : «الحرية ملكة نفسانية حارسة للنفس حراسة جوهرية لا صناعية» وكقوله : «إن الحرية طباع أول جوهرى ، لا طباعا ثانيا اكتسابيا.
فلو كانت جواهر النفوس الإنسانية ، وطبائعها متفقة ؛ لزم أن يكون الناس كلهم أحرارا ، وهو خلاف المشاهد.
وأما أرباب المذهب الثانى : فقد احتجوا بأن قالوا : النفوس الإنسانية وإن كانت متعددة فهى مشتركة فى خاصية ، هى القوة النظرية ، والعملية ، كما قد بين ذلك فى الحكميات ، وهو دليل اتحادها فى النوعية.
الموضع الثالث : اختلفوا فى أن النفس الإنسانية هل تفوت بفوات بدنها ، أم لا؟ فذهب كثير من الأقدمين (٤) إلى أنها لا تبقى بعد مفارقة بدنها.
محتجين على ذلك بحجتين :
الأولى : أنه قد ثبت أنه لا وجود للنفس قبل وجود بدنها ؛ بما سبق ذكره (٥) وهو بعينه مساعد فى امتناع وجودها بعد مفارقة البدن.
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) راجع المبين للآمدى ص ٩١ فقد قال : وأما القياس الخطابى : فما كانت مادته من المقبولات ، والمظنونات.
(٣) راجع ترجمته فيما سبق فى هامش ل ٥٠ / ب من الجزء الثانى.
(٤) انظر كتاب النفس لأرسطو ٦ ، ٤٤ ، ٤٥ ترجمة الدكتور الأهوانى.
(٥) راجع ما سبق ل ٢٠٤ / أو ما بعدها.