فالنفس قبل الفساد لها قوة أن تبقى ، فالنفس مركبة من صورة ؛ وهى ما بها تكون النفس موجودة وباقية بالفعل ، ومن مادة : وهى الذات التى لها هذه القوة أعنى قوة أن يبقى.
والنفس بسيطة غير مركبة على ما سبق ؛ فهى غير قابلة للفساد.
الموضع الرابع : اختلف القائلون ببقاء النفس بعد مفارقة بدنها فى تناسخ الأبدان لها ، وانتقالها من بدن إلى بدن.
فمنهم : من أثبت ذلك ، ومنهم من نفاه.
فأما المثبتون : فمنهم من أوجب ذلك ، وأحال بقاء النفس غير متعلقة ببدن آخر غير بدنها الّذي فارقته.
محتجين على امتناع عزوها عن البدن بعد المفارقة بمثل احتجاجهم على امتناع وجودها قبل البدن كما سبق (١).
ومنهم من جوز عليها الأمرين حتى أنها تكون مفارقة للبدن تارة ، ومقارنة له تارة ، ومقارنة بعد المفارقة ، ومفارقة بعد المقارنة ، ولم يلتزم فى ذلك قانونا معينا ، ولا نظاما مخصوصا.
ثم من أوجب المقارنة بعد المفارقة : فمنهم من يرى أنها لا بد وأن تكون حافظة للصورة النوعية فى الأشخاص ، حتى انها لا تنتقل من شخص الإنسان إلا إلى شخص إنسانى ، وسمى هذا الانتقال نسخا (٢) ، ومنهم من يرى أنها غير حافظة للنوع فى الأشخاص ، بل قد تستبدل صورة الانسان بصورة أخرى.
ثم أختلف هؤلاء :
فمنهم من جوز الانتقال إلى غيره من أبدان الحيوان ، وسمى ذلك مسخا (٣) ومنهم من جوزه إلى النبات ، وسمى ذلك فسخا (٤). ومنهم من جوزه إلى الجمادات ، وسماه :
__________________
(١) راجع ما مر ل ٢٠٤ / أ ، ب من الجزء الثانى.
(٢) النسخ : هو الانتقال من شخص الإنسان إلى شخص انسانى.
(٣) المسخ : هو الانتقال من شخص الإنسان إلى أبدان الحيوان.
(٤) الفسخ : هو الانتقال من بدن إنسان إلى النبات.