رسخا (١). ، ومنهم من يرى أن النفس عند ابتدائها تبتدئ من أضعف الصور وأخسها ، كصورة الدود ، والذباب ، وتتردد إلى الأقوى والأفضل / حتى تنتهى إلى صورة الإنسان ، وحينئذ إن سعدت بفعل ما يسعد ، ارتقت فى كل دور إلى مزاج أفضل ، وقوة أكمل ، حتى تبلغ أقصى الكمال ، وإن شقيت بفعل ما يشقى ويردى عادت إلى العكس والقهقرى وكذا لا تزال تتردد فى كل دور إلى ما فارقته ، أو أفضل ، أو أنقص.
ثم منهم من يرى / / أن ذلك يدوم ، ويتكرر دورا بعد دور ، لا انقضاء لأمده ، ولا انتهاء لعدده. ومنهم من يرى انتهاء ذلك ، وأن النفس قد يتفق لها سعادة ناقلة لها فى مرة أو مرات إلى أجلّ حالاتها ، وأكمل كمالاتها ؛ فينقطع تعلقها بالأبدان ، ويلتحق بالمبادئ الأولى صائرة عالما عقليا ، مجردة عن المواد ، وعلائقها ؛ فلا تعود إلى التعلق بالأبدان أبدا.
وأما الّذي عليه المحققون من الفلاسفة (٢) : امتناع القول بالتناسخ ، واستحالة انتقال النفس بعد مفارقة بدنها المقارن وجودها لوجوده ، إلى بدن آخر ، محتجين على ذلك بحجتين :
الأولى : أن وجود النفس مع وجود البدن إنما كان لشوق جبلى ، وميل طبيعى من الأنفس إلى الأبدان [للاهتمام به ، والتصرف فى أحواله كما سبق.
وعلى هذا : فكل بدن فإنه يستحق لذاته نفسا تدبره ، وتتصرف فيه ، وليس ذلك لبعض الأبدان] (٣) دون البعض ؛ إذ كلها من نوع واحد ، فلو قيل بتناسخ بدنين لنفس واحدة ؛ لأدى ذلك إلى اجتماع نفسين فى بدن واحد ، وهى النفس المستحقة له لذاته ، والنفس المنتقلة إليه من غيره ، وهى محال.
الحجة الثانية : أنه لو انتقلت النفس فى بدن إلى بدن آخر ؛ لتذكرت ما كان لها من الأحوال حالة كونها فى البدن الآخر ؛ ضرورة اتحاد النفس فيها ، والأمر بخلافه كما تقدم (٤).
__________________
(١) الرسخ : هو الانتقال من شخص الانسان إلى جسم جماد.
/ / أول ل ١١٦ / أ.
(٢) انظر الإشارات لابن سينا ٣ / ٧٧٩ وما بعدها وشرح الطوسى لها وانظر النجاة أيضا ص ١٨٩. ثم قارنها بما ذكر الآمدي هاهنا وفى غاية المرام ص ٢٧٨.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) راجع ما مر ل ٢٠٤ / ب و ٢٠٥ / أ.