وأما إن لم يكن قد حصل لها ذلك : كانفس الصبيان ، والمجانين ، وغيرهما من الأنفس الساذجة ؛ فهى لا تتألم ولا تلتذ ؛ لعدم اشتياقها إلى كمالها ، ولعدم استعدادها لقبوله (١).
وإذ أتينا إلى شرح المذاهب فى النفس الناطقة بالبيان الموجز ، الشّامل لمعانيها ، فلا بد من التنبيه على ما فيها ، وما هو المختار منها إن شاء الله ـ تعالى ـ.
فنقول : أما من قال من أصحابنا : إنها عرض (٢) فهو مطالب بالدّلالة على ذلك.
قوله : كل مخلوق لا يخرج عن كونه جسما ، أو عرضا.
فلقائل أن يقول : أولا لا نسلم الحصر ، وما المانع أن يكون جوهرا فردا كما قاله الغزالى وغيره (٣)؟ أو أن يكون جوهرا غير متحيّز مجردا عن المادّة دون علائق المادة كما قاله الفلاسفة (٤)؟ وقد بينا أن إبطال ذلك صعب جدا.
وإن سلمنا الحصر فيما ذكر ؛ ولكن ما المانع أن تكون النفس جسما كما قاله الغير؟
قوله : لأن الأجسام متجانسة.
فقد بينا ضعف هذه المقالة فى تجانس الأجسام (٥) وأن ذلك مما لا سبيل إلى الدلالة عليه.
وإن سلمنا تجانس الأجسام ، ولكن ما المانع أن تكون النفس جسما مع / / عرض خاص ، يخلقه الله فيه ، كما قاله بعض المخالفين كما تقدم (٦)؟
فلا يكون جسما فقط ، ولا عرضا مجردا.
وإن سلمنا دلالة ما ذكر على أن النفس عرض ، غير أنا قد بينا فيما تقدم امتناع بقاء الأعراض ، وأنها متجددة (٧) فلو كانت النفس عرضا ؛ لكانت متجددة غير باقية.
__________________
(١) لمزيد من الايضاح ارجع إلى : الإشارات والتنبيهات لابن سينا ٣ / ٧٣٧ وما بعدها ، ٣ / ٧٧٧ وما بعدها ، وتهافت الفلاسفة للإمام الغزالى ص ٢٨٢ وما بعدها فمنها يتضح أن الآمدي قد اعتمد عليهما فى العرض ، والنقد.
(٢) كالإمام الهراسى. انظر عنه ما مر فى هامش ل ٢٠١ / ب.
(٣) راجع مقالتهم ل ٢٠١ / ب.
(٤) راجع ما مر ل ٢٠١ / ب.
(٥) راجع ما سبق فى تجانس الأجسام ل ٢٥ / أوما بعدها.
/ / أول ل ١١٧ / أمن النسخة ب.
(٦) راجع ما سبق ل ٢٠١ / ب
(٧) راجع ما تقدم ل ٤٤ / ب وما بعدها.