وإذ أتينا على ما أردناه من إيراد المذاهب فى حقيقة النفس وتتبعها ؛ فلا بد من الإشارة إلى إبطال ما قيل من التفريعات على كون النفس جوهرا بسيطا ، وتتبعها كالجارى من عادتنا.
أما التفريع الأول (١) : فى القدم ، والحدوث.
فنقول : أما من قال بقدم النفس (٢) ؛ فلا بد له من دليل.
قولهم فى الحجة الأولى (٣) : لو كانت حادثة فالفاعل لها إما قديم ، أو حادث. ما المانع أن يكون قديما.
قولهم : يلزم أن تكون قديمة لقدمه ؛ فهو مبنى على القول بأن الموجب ، موجب بالذات ؛ وهو باطل بما سبق.
وبتقدير أن يكون الموجب موجبا بالذات جدلا ؛ فلا نسلم أنه يلزم من قدمه قدم معلوله.
وما المانع على أصلهم من توقف فعل الفاعل بذاته ، وتأثيره فى معلوله على تهيئ القابل / للمعلول : استعداده له ، كما قالوه فى الصّور الجوهرية العنصرية فإنها وإن كانت معلولة لجوهر قديم هو العقل الفعّال ، وأنه فاعل لها بذاته ، فليست قديمة بقدمه ؛ لتوقّف تأثيره فيها على تهيئ القابل لها على أصولهم.
فلئن قالوا : ذلك إنّما يتصوّر فيما يكون وجوده وجودا ماديا ، والنفس ليست كذلك ؛ فهو مبنى على اعتقادهم كون النفس غير ماديّة ، وكل ما يذكرونه فى الدّلالة على ذلك فقد أبطلناه (٤).
وإن سلمنا أن النفس ليست مادّية ، ولكن بمعنى أنّها ليست موجودة فى المادة ، أو بمعنى أنّها غير متعلقة الوجود بوجود المادة.
الأول مسلم ، والثانى ممنوع.
__________________
(١) راجع ما مر ل ٢٠٣ / ب.
(٢) الرد على أفلاطون ومن تابعه.
(٣) الرد على الشبهة الأولى من شبه أفلاطون ومتابعيه. (راجع ل ٢٠٤ / أالحجة الأولى).
(٤) راجع ما مر ل ٢٠٨ / ب.