وعلى هذا : فما لم تكن المادة موجودة ؛ فلا وجود للنفس وإن كان الفاعل لها بذاته موجودا.
وعلى هذا : فما ذكروه من لزوم قدم النفس ، لقدم علتها : إنما يصح أن لو لم تكن النفس متعلقة بالمادة ، وإنما لا تكون متعلقة بالمادة ؛ أن لو لزم قدمها ، لقدم علتها ؛ وهو دور ممتنع وعلى ما حققناه هاهنا ؛ فلا يخفى الوجه فى إبطال الحجة الثانية على قدم النفس أيضا (١).
وأما القول بحدوث النفس (٢) ، وإن كان قولا حقا ، غير أنه لا بد من تتبع حجج قائليه.
أما الحجة الأولى : فهى باطلة (٣) ؛ أما أولا فلا نسلم أن النفوس الإنسانية من نوع واحد ، وما المانع أن تكون مختلفة بالنوعية؟ وسيأتى إبطال كل ما يذكرونه على ذلك (٤). وإن سلمنا اتحاد نوعيتها ، فما المانع من قدمها على قولهم : بجواز قدم الممكنات؟.
قولهم : لأنها إما أن تكون متحدة ، أو متكثرة. مسلم.
ولكن ما المانع من اتحادها.
قولهم : لأنه يلزم منه اشتراك جميع الأشخاص فيما علمه الواحد ، أو جهله إنما يلزم أن لو لم تكن نسبة النفس إلى بدن كل شخص شرطا فى شعوره فلم قالوا بعدم هذا الاشتراط؟
وإن سلمنا امتناع اتحادها ، فما المانع من تكثرها؟
قولهم : لأن تكثير المتحد بالنوع يستدعى ما به يقع التمايز : مسلم ؛ ولكن لم قالوا بامتناعه؟
قولهم : لأن التمايز إما أن يكون [بين الأنفس لذواتها] (٥) ، أو لأمر خارج.
__________________
(١) الرد على الشبهة الثانية لأفلاطون ومتابعيه. (راجع ل ٢٠٤ / أالحجة الثانية).
(٢) الرد على شبه أرسطو ومن تبعه :
(٣) الرد على الشبهة الأولى لأرسطو ومن تبعه. (راجع ل ٢٠٤ / أالحجة الأولى).
(٤) انظر ما سيأتى ل ٢١٢ / أو ما بعدها.
(٥) ساقط من (أ).