وعلى هذا تفعل الطبيعة للنفس قبل وجود البدن ، وإن كان معطلا ؛ فلا يكون معطلا بتقدير المقارنة للبدن ،
وإن سلمنا امتناع تعطيل فعل الطبيعة دائما ؛ ولكن إنما يلزم ذلك أن لو خلت النفس عن البدن ، وذلك مبنى على امتناع التناسخ على أصولهم ؛ وسيأتى إبطاله.
ثم يلزم على من قال منهم ببقاء أنفس الأطفال بعد المفارقة أن لا يبقى ؛ لأنها تكون معطلة عن الإدراك والتحريك الجسمانى كما ذكروه.
وأما الحجة الثالثة : فباطلة أيضا (١) ؛ إذ ليس يمتنع أن يقال إن ما وجدنا النفس عليه من الحال عند ابتداء وجود البدن هو حالها ، وكمالها فى العدم قبل حدوث البدن ، وما يتجدد لها من الأحوال ، والانتقالات وأنواع التغيرات : فإنما هو لها بسبب البدن.
وأما التفريع الثانى : فى وحدة النفس الإنسانية وتكثرها.
فنقول ـ [أما] (٢) حجة من قال بوحدتها : فمبنية على القول بقدمها ، وامتناع تكثرها قبل وجود الأبدان ، وقد أبطلناه (٣).
وأما القول بتكثرها وإن كان هو الحق : غير أن بناء ذلك على ما قيل من الحجة وهو فاسد بما أسلفناه (٤) من جواز أن يكون ما اختص به كل واحد من أشخاص الناس من العلم ، والجهل ، وغيره مما قيل مشروطا باتصال تلك النفس المتحدة ببدنه.
وعلى هذا : فقد بطل التفريع على ذلك بأنها متكثرة بالنوع والشخص ، وبتقدير التسليم لأصل التكثر ؛ فلا بد من تتبع حجج المذهبين.
أما الحجة على القول بتكثرها بالنوع ففاسدة ؛ / فإنه لا مانع من أن يكون اختلاف النفوس فيما فرض من الأحوال المذكورة لتخصيصها بها مستندا ذلك إلى فعل فاعل مختار كما سبق تحقيقه (٥).
وبتقدير أن لا يكون المخصص لها بذلك فاعلا مختارا ، فلا مانع أن يكون ذلك ، بسبب اختلاف أمزجة أبدانها ، لا لاختلافها فى جوهرها.
__________________
(١) الرد على الشبهة الثالثة لأرسطو ومتابعيه. (راجع ل ٢٠٤ / ب الحجة الثالثة).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) راجع ما مر فى ل ٢١١ / أ.
(٤) راجع ما مر فى ل ٢٠٥ / أ.
(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢١١ / ب وما بعدها.