وأما ما ذكره الفلاسفة الإلهيون من أحوال النفس ، ونعيمها ، وعذابها بعد مفارقة البدن على ما وصفوه (١).
فلقائل أن يقول : وإن سلمنا وجود الأنفس الإنسانية على وفق ما يعتقدونه وأنها لا تفوت بفوات الأبدان ، وأن الأبدان لا يتناسخها / مع ما فى كل واحد من الأشكال على أصولهم كما تقدم (٢) ، غير أن القول بسعادة النفس وشقاوتها بعد مفارقة بدنها على ما ذكروه فمتوقف على كون النفس عالمة بمعنى انطباع صور المعقولات فيها ؛ وهو غير مسلم على ما سبق.
وإن سلمنا أن العلم عبارة عن انطباع صورة المعلوم فى النفس ؛ ولكن ما ذكروه إنما يستقيم أن لو أمكن انطباع صور المعقولات فيها بعد المفارقة.
وما المانع أن يكون اتصالها بالبدن شرطا فى دوام الانطباع وحصول العلم لها كما كان شرطا فى الابتداء ، أو أن تكون المفارقة مانعة من ذلك؟.
وقولهم : غير بعيد أن تتصل النفس بعد مفارقة بدنها ببعض الأجرام الفلكية يتخيل به صورا يلتذ بها ، أو يشقى ؛ فهو اعتراف بعين التناسخ الّذي أبطلوه ، ولم يقولوا به.
كيف وأن ما يتخيل بالقوى الجسمانية عندهم غير خارج عن الأمور الجزئية ، والنفس الناطقة غير مدركة للأمور الجزئية عندهم.
هذا ما يتعلق بالمعاد النفسانى (٣).
__________________
(١) راجع ما مر ل ٢٠٧ / أوما بعدها.
(٢) انظر ما مر ل ٢٠٧ / أ.
(٣) لمزيد من البحث والدراسة انظر ما ذكره ابن سينا فى النجاة ١٨٩ وقارن بما ذكره عبد الجبار فى المغنى ١٣ / ٤٠٥ ـ ٤٣٠ وأصول الدين للبغدادى ص ٢٣٥ وما بعدها وغاية المرام للآمدى ص ٢٧٨.