الفصل الثانى
فى خلق الجنة والنار (١)
[مذهب الأشاعرة ، وأكثر المتكلمين : أن الجنة ، والنار] (٢) اللتان هما دار الثواب والعقاب ، مخلوقتان فى وقتنا هذا. ووافقهم على ذلك من المعتزلة الجبائى ، وبشر بن المعتمر ، وأبو الحسين البصرى (٣). ثم اختلف هؤلاء :
فمنهم من قال : إنهما تفنيان. ومنهم من قال : بأنهما لا تفنيان.
وذهب عباد الصيمرى ، وضرار بن عمرو ، وأبو هاشم ، وعبد الجبار (٤) : إلى أنهما غير مخلوقتين فى وقتنا هذا ، غير أن عباد : زعم أنه يستحيل فى العقل ذلك قبل حلول المكلفين فيها.
وخالفه أبو هاشم فى ذلك : وزعم أن خلقهما فى وقتنا ، غير ممتنع عقلا ، وإنما هو ممتنع سمعا (٥) :
والمعتمد فى المسألة : الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة.
أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٦) وقوله ـ تعالى ـ : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٧) ووجه الاحتجاج من الآيتين : وصفه ـ تعالى للجنة ، والنار بالإعداد ،
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا : راجع كتاب الإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٣٧٧ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٣٧ وما بعدها. وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس تحقيق الدكتور أحمد المهدى ـ المقصد الرابع : ص ١٩٥ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٦١ وما بعدها. وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ص ٤٨٤ وما بعدها.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) لتوضيح مذهب الجبائى ومن وافقه : انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ١٩٥. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٦١.
(٤) قارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف الساد ص ١٩٥ حيث قال : «وأنكره أكثر المعتزلة كعباد الصيمرى ، وضرار بن عمرو ، وأبى هاشم وعبد الجبار. وقالوا : إنهما يخلقان يوم الجزاء».
(٥) قال شارح المواقف ص ١٩٦ من الموقف السادس : «وأما المنكرون فتمسك عباد فى استحالة كونهما مخلوقتين فى وقتنا هذا بدليل العقل. وأبو هاشم بدليل السمع ؛ إذ ليس عنده للعقل دلالة على ذلك». قال عباد : لو وجدنا : فاما فى عالم الأفلاك ، أو العناصر ، أو فى عالم آخر ، والثلاثة باطلة. واحتج أبو هاشم بوجهين : الأول :
قوله تعالى : ـ (أُكُلُها دائِمٌ) مع قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فلو كانت مخلوقة ؛ وجب هلاك أكلها. (شرح المواقف ٦ / ١٩٦ ، ١٩٧. بتصرف.
(٦) سورة آل عمران ٣ / ١٣٣.
(٧) سورة البقرة ٢ / ٢٤.