الفصل الثالث
فى عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير
وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف ، وأكثرهم بعد ظهوره : على إثبات إحياء الموتى فى قبورهم ، ومسألة الملكين لهم ، وتسمية أحدهما منكرا ، والآخر نكيرا ، وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين ، والكافرين (١).
وذهب أبو الهذيل ، وبشر بن المعتمر : إلى أن من ليس بمؤمن. فإنه يسأل ، ويعذب فيما بين النفختين أيضا (٢).
وذهب الصالحى (٣) من المعتزلة : وابن جرير الطبرى (٤) ، وطائفة من الكرامية إلى تجويز ذلك على الموتى فى قبورهم من غير إحياء لهم (٥).
وذهب بعض المتكلمين (٦) إلى أن الآلام تجتمع فى أجساد الموتى ، وتتضاعف من غير حس بها فإذا حشروا أحسوا بها دفعة واحدة.
وذهب ضرار بن عمرو ، وبشر المريسى ، وأكثر المتأخرين من المعتزلة إلى إنكار ذلك كله (٧).
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى ٢ / ١٤٧. وانظر كتاب الإرشاد للجوينى ص ٣٧٥ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٣٧ وما بعدها ، وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٢٢٤ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٦٢ وما بعدها ومطالع الأنظار ص ٢٢٧ وما بعدها ، والروح لابن القيم ص ٧٢ وما بعدها وشرح العقيدة الطحاوية ص ٤٥١ وبعدها.
ومن كتب المعتزلة : انظر شرح الأصول الخمسة ص ٧٣٠ وما بعدها.
(٢) انظر رأيهم فى أصول الدين للبغدادى ص ٢٤٦. والروح لابن القيم ص ٨٠ حيث نسب هذا القول للعلاف ، والمريسى.
(٣) راجع ترجمته فى الجزء الأول هامش ل ٨٩ / أ.
(٤) ابن جرير الطبرى محمد بن جرير بن يزيد الطبرى (أبو جعفر) : المفسر المؤرخ ، المحدث ، الفقيه ، الأصولى. ولد فى آمل طبرستان سنة ٢٢٥ ه وطوف الأقاليم ، واستوطن بغداد وتوفى بها فى شوال سنة ٣١٠ ه من تصانيفه :
جامع البيان فى تأويل القرآن ، وتاريخ الأمم والملوك وتهذيب الآثار واختلاف الفقهاء.
وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ٥٧٧ ، ٥٧٨ ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٩).
(٥) راجع شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٢٥ ، فقد حكم على رأى الصالحى ، وابن جرير الطبرى ، وطائفة من الكرامية بأنه خروج على المعقول.
(٦) قارن بالروح لابن القيم ص ٨١. فقد نقل هذا القول. ووضح أنه لبعض المعتزلة وقارن بشرح المواقف ص ٢٢٥.
(٧) وقد رفض القاضى عبد الجبار هذه التهمة. فقال «وجملة ذلك أنه لا خلاف فيه بين الأمة ، إلا شيء يحكى عن ضرار بن عمرو ، وكان من أصحاب المعتزلة ، ثم التحق بالمجبرة. ولهذا ترى ابن الراوندى يشنع علينا ؛ ويقول :
إن المعتزلة ينكرون عذاب القبر ، ولا يقرون به» شرح الأصول الخمسة ص ٧٣٠ وما بعدها.