وأنكر الجبائى ، وابنه ، والبلخى تسمية الملكين : منكرا ، ونكيرا ؛ مع الاعتراف بهما وإنما المنكر : ما يصدر من الكافر عند تلجلجه إذا سئل ، والنكير : تقريع الملكين له.
والدليل على إحياء الموتى فى قبورهم قبل الإحياء للحشر قوله ـ تعالى ـ : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (١) والمراد بالإماتتين : الموتة التى قبل مزار القبور ، والموتة التى بعد مساءلة منكر ونكير ، والمراد بالحياتين : الحياة الأولى ، والحياة لأجل المساءلة على ما قاله المفسرون (٢).
فإن قيل : لا نسلم أن المراد بالإماتتين ، والحياتين ما ذكرتموه ، وما ذكرتموه عن المفسرين : فهو معارض بما يناقضه من قول غيرهم من المفسرين أيضا : فإنه قد قيل إن المراد بالإماتتين : الموتة الأولى : فى أطوار النطفة قبل نفخ الروح فيها ، والثانية : التى قبل مزار القبور ، والمراد بالحياتين : التى قبل / مزار القبور ، والحياة لأجل الحشر.
وليس أحد القولين أولى من الآخر ؛ بل هذا القول أولى ؛ لأنه لو كان كذلك فيكون على وفق المفهوم من قوله ـ تعالى ـ (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) حيث إنه يدل بمفهومه على نفى حياة ثالثة ، وما ذكرتموه يلزم منه أن يكون الإحياء ثلاث مرات : الإحياء الأول : الّذي قبل مزار القبور. والإحياء للمسائلة ، والإحياء للحشر : وهو خلاف المفهوم من الآية (٣).
قلنا : ما ذكرناه أولى لوجهين :
الأول : أنه الشائع المستفيض بين أرباب التفسير ، وما ذكرتموه فقول شذوذ لا يؤبه لهم.
الثانى : أن حمل الإماتة على حالة أطوار النطفة مخالف للظاهر. فإن الإماتة لا تطلق إلا بعد سابقة الحياة وما ذكرناه ، فعلى وفق الظاهر ؛ فكان أولى.
قولهم : يلزم مما ذكرتموه مخالفة مفهوم الآية. لا نسلم أن المفهوم حجة.
__________________
(١) سورة غافر ٤٠ / ١١.
(٢) راجع تفسير القرطبى ، وشرح المقاصد ٢ / ١٦٢. وقارن بتفسير الطبرى ٢٤ / ٣٢ ، وتفسير الرازى ٢٧ / ٣٨ وما بعدها.
(٣) انظر الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ٤ / ٥٥ وما بعدها والروح لابن القيم ص ٦٠.