فلو لم يعلم المكلف استحقاقه للعقاب على تقدير فعلها ؛ لكان ذلك من الله ـ تعالى ـ إغراء للمكلف بفعل القبيح ؛ فيكون قبيحا ، وهو على الله ـ تعالى ـ محال.
وبالجملة ؛ فحاصل إيجابهم للثّواب ، والعقاب على الله ـ تعالى ـ مبنى على التّحسين والتّقبيح العقلى ، ووجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله ـ تعالى.
ومن حقّق ما أسلفناه فى التّعديل والتجوير (١) ؛ لم يخف عليه بطلان مثل هذه الحجج هاهنا غير أنه لا بدّ من تتبعها ، وزيادة الكشف فى إبطالها.
فنقول : أما إيجاب الثواب على فعل الطاعة بناء على كونه / مقتضى العقل فمبنى على التحسين والتقبيح العقلى ، وقد أبطلناه (٢).
وبتقدير التسليم لذلك جدلا.
ولكن لا نسلم أن ذلك من مستحسنات العقول ، وبيانه من أربعة أوجه : ـ
الأول : أنّ ما يأتى به العبد من الطّاعات فهى عندهم واجبة عليه ، شكرا لما أنعم الله عليه من النّعم الدنيوية ، ومن أدى واجبا ؛ فإنه لا يستوجب به بمقتضى العقل ثوابا ، ولا جزاء ؛ ولهذا فإنّ السيّد منّا إذا أحسن إلى عبده ومن هو فى رقه وملكه ، وأفاض عليه النعم ، وأزاح عنه النّقم ، فإنه يستحقّ بمقتضى العقل خدمة العبد له ، وطاعته إياه ، وما يفعله العبد من ذلك بطريق الاستحقاق ، والشكر لإحسان سيده إليه ، لا يكون بمقتضى العقل موجبا لمجازاة السيد إياه على ذلك الفعل (٣).
الثانى : أنه لو استوجب العبد بمقتضى العقل الثّواب الأبدى على فعل الواجب ؛ لاستوجب الرب ـ تعالى ـ الشكر الأبدى على العبد بالنعم السابقة ؛ بل أولى ، واللازم ممتنع.
وبيان الملازمة : أن عبادة العباد مع الآباد. لا توازى نعم الله ـ تعالى عليهم فى دار التكليف ساعة من نهار فإذا جاز بمقتضى العقل إيجاب الثّواب الأبدى على الله ـ تعالى ـ بطاعة العبد ، مع كونها واجبة شكرا لما أنعم الله به عليه ابتداءً ؛ فالقول بإيجاب الشّكر الأبدى لله ـ تعالى ـ على العبد بما أنعم الله تعالى ـ عليه به أولى ، واللازم ممتنع ؛ لما فيه فى لزوم التكليف فى دار الخلود ؛ وهو محال.
__________________
(١) انظر ما سبق ل ١٨٦ / أوما بعدها.
(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ل ١٧٤ ، ب وما بعدها.
(٣) قارن بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ٣٢١ ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٦٦.