الفصل الثانى
فى أن ثواب أهل الجنة ، وعقاب الكفّار
غير واجب الدّوام عقلا ، بل سمعا
قد بيّنا أن مذهب أهل الحق : أن أصل الثواب والعقاب على الطاعة والمعاصى غير واجب عقلا على ما تقدم فى الفصل الّذي قبله (١). وكذلك الحكم فى دوامه ؛ إذ يستحيل أن يكون دوامه واجبا عقلا ، وأصله غير واجب ؛ بل وجوب دوامه إنما وقع مستفادا من السمع ؛ إذ القرآن / / والسنة مشحونان بخلود نعيم أهل الجنّة ، وعذاب الكفّار.
وأما المعتزلة : فإنهم قالوا بوجوب دوام نعيم المؤمنين ، وعذاب الكفار عقلا ، ونقل عن الصاحب بن عباد (٢) أنه قال : إنّما يجب خلود نعيم من علم الله ـ تعالى ـ منه أنه لو أبقاه فى دار الدّنيا ؛ لبقى على إيمانه ، وكذلك إنّما يجب خلود عذاب من علم الله ـ تعالى ـ منه أنّه لو أبقاه فى الدّنيا أبدا ؛ لبقى على كفره أبدا ، ولا يخلد من لم يعلم منه ذلك. وسنبين بعد الفراغ من حكاية شبه المعتزلة على مذهبهم ، وإبطالها ، ضعف مقالة ابن عباد على أصول المعتزلة ، وتناهيها فى الفساد.
وقد احتج المعتزلة على مذهبهم بحجج ، منها ما يعمّ الخلودين ، ومنها ما هو خاص بأحدهما دون الآخر.
أما الحجة العامة : فهو أنهم قالوا / الموجب لاستحقاق الثّواب ؛ هو الموجب لاستحقاق الثناء والمدح ، وكذلك الموجب لاستحقاق العقاب ؛ هو الموجب لاستحقاق الذّم والتّوبيخ.
__________________
(١) راجع ما سبق فى الفصل الأول ل ٢٢٧ / أ.
/ / أول ل ١٢٦ / أ.
(٢) هو إسماعيل بن عباد بن العباس أبو القاسم الطالقانى : ولد فى الطالقان (من أعمال قزوين) وإليها نسبته سنة ٣٢٦ ه وتوفى بالرى ونقل إلى أصبهان فدفن بها سنة ٣٨٥ ه استوزره مؤيد الدولة ابن بويه ، ولقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة من صباه ؛ فكان يدعوه بذلك. كان من نوادر الدهر علما وفضلا وتدبيرا وجودة رأى له تصانيف جليلة ، وشعر جيد (له ديوان مطبوع) وكتبت عنه كتب وطبعت [معجم الأدباء لياقوت الحموى ٢ / ٢٧٣ ـ ٣٤٣ والأعلام للزركلى ١ / ٣١٦].