الفصل الثالث
فى استحقاق عصاة المؤمنين العقاب
على زلاتهم ، وجواز الغفران عنها عقلا
والّذي عليه إجماع المسلمين أنّ من مات على كفر ؛ فهو مخلد فى النار أبدا. وقد اختلفوا فى أهل الكبائر من المؤمنين إذا ماتوا عنها من غير توبة.
فالذى عليه إجماع المسلمين : أنهم ماتوا على الإيمان. خلافا للخوارج كما سيأتى تفصيل مذاهبهم ، والرّدّ عليهم فى الأسماء والأحكام (١).
ثم اختلف القائلون بإيمانهم ، فذهب بعض المرجئة (٢) : إلى أن المؤمن لا يستحق على زلته عقابا أصلا ، عاجلا ، ولا آجلا. وأنّه كما لا يستحق مع الشرك بالله ـ تعالى ـ بفعل الطّاعة ثوابا ؛ فلا يستحق مع الإيمان بالمعصية عقابا.
ومنهم من قال بأن المؤمن لا يعاقب على زلّاته فى العقبى ، وإنّما يعاقب عليها فى الدّنيا بالآلام ، والغموم ، والهموم ، والنقص فى الأموال ، والأنفس ، والثّمرات.
وذهب هؤلاء على قياس هذا القول : إلى أنّ ما يفعله الكفار من الخيرات وأنواع الطاعات ، مثابون عليها ؛ لكن فى الدنيا ، لا فى الأخرى ، فثواب الكافر ، وعقاب المؤمن معجّل.
وذهب أهل الحق : إلى جواز استحقاق المؤمن العقاب فى الأخرى على زلاته. ثم اختلفوا فى جواز غفرانه :
فذهبت الأشاعرة إلى جواز ذلك عقلا ، وسمعا (٣).
وذهب البصريون (٤) ، وبعض البغداديين (٥) من المعتزلة : إلى جواز ذلك عقلا ،
__________________
(١) انظر ما سيأتى فى القاعدة السابعة ـ الفصل الثالث ل ٢٤١ / ب وأيضا فى الفصل الرابع : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ ل ٢٥٢ / أو ما بعدها.
(٢) أنظر آراء المرجئة فى الفصل الثالث من القاعدة السابعة : فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ ل ٢٤١ / ب.
وأيضا فى الفصل الرابع : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ ل ٢٥٤ / ب وما بعدها.
(٣) راجع الإرشاد لإمام الحرمين ٣٢٩ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٠٦ ـ ٢٠٩ وشرح المقاصد ٢ / ١٧٣.
(٤) البصريون هم الذين نشئوا بالبصرة ، وقد تحدثت عن أشهر رجال فرع البصرة فى هامش ل ١٤ / ب من الجزء الأول.
(٥) البغداديون هم الذين نشئوا ببغداد ، وقد تحدثت عن رجالهم فى هامش ل ١٤ / ب من الجزء الأول.