وامتناعه سمعا. وذهب بعض البغداديين من أتباع الكعبى : إلى امتناع ذلك عقلا وسمعا. هذا تفصيل المذاهب.
وأما الرد على المرجئة : فمن ثلاثة أوجه :
الأول : هو أنّ الزّلات الصّادرة عن المؤمن محرمات منعوتة بالقبح. ملام على فعلها ، مذموم عليها بالإجماع من المسلمين ومن المرجئة ، وما هذا شأنه فلا يمتنع فى العقل التواعد عليه ، واستحقاق العقاب به ؛ ولهذا كانت مقتضية لذلك قبل الإيمان بالإجماع ، ووجود الإيمان معها إن لم يكن مؤكدا لذلك ؛ فلا يكون مانعا ، فإنّ زلة العالم بالله ـ تعالى ـ المختص بكمال نعم الإيمان عليه تكون أفحش فى العرف والعقل ، من زلّة غيره ، فكانت أولى باستحقاق العقاب ، وإليه الإشارة بقوله تعالى ـ : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) وليس ذلك إلا لاختصاصهنّ بالمعرفة ، وكمال النّعمة بالقرب من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
الوجه الثانى : ويخصّ المنكرين لاستحقاق العقوبة فى الدّنيا ، والأخرى ، وهو أن يقال : المسلم إذا زنى ، أو سرق ، أو شرب الخمر ؛ فإنّه يقام عليه الحدّ بالإجماع.
وعند ذلك : فإما أن يقال إنّ الحدّ عقوبة على ما صدر عنه ، أو لا يقال بذلك.
لا جائز أن يقال بالثانى ؛ لأنه على خلاف إجماع المسلمين ، ونصوص الكتاب ، والسنّة ؛ وذلك كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) (٢) وكقوله ـ تعالى فى حقّ الزّناة (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣).
فإن كان الأول : فهو المطلوب.
الثالث : وهو أيضا يخص مذهب المنكرين لاستحقاق العقوبة مطلقا :
أنّه ملام ، مذموم على المعصية بالإجماع ، والذم ، واللوم نوع من العقوبة ؛ إذ لا معنى للعقوبة إلا ما يتضرر بها ، واللوم ، والذّمّ ممّا يتضرر به كل عاقل ؛ فكان عقوبة.
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ / ٣٠.
(٢) سورة المائدة ٥ / ٣٨.
(٣) سورة النور ٢٤ / ٢.