الأول : أنّه لو جاز العفو. فما من أحد إلا ويحدث نفسه بجواز العفو عنه ، والصفح عن ذنبه ؛ وذلك مما يسهل عليه الإقدام على المعصية ، وهو إغراء من الله ـ تعالى ـ للعبد بالمعصية. والإغراء بالمعصية قبيح ؛ وهو مستحيل فى حق الله ـ تعالى.
الثانى : أنّه إذا جاز العفو. فإما : أن يدخله الجنّة ، أو لا يدخله الجنة ـ الثانى / خلاف الإجماع وإن أدخله الجنة ؛ فيلزم من ذلك أن يكون التفضل ، مساويا للثّواب ؛ وهو ممتنع لما سبق.
كيف وأن ما ذكرتموه ينتقض بوصف الذّم فإنه عقوبة ، ومع ذلك فإنه لا يسقط بإسقاط المستحق ، وينتقض بكثير من الحقوق الثابتة ؛ فإنها لا تسقط بإسقاط المستحق لها : كالثواب المستحق للعبد.
فإنه لا يسقط بإسقاطه ، وكذلك شكر المنعم ؛ فإنه حق له ، ولا يسقط بإسقاطه.
وأما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). لا نسلم صيغة العموم فى قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ولهذا يصح أن يقال كل ما دون ذلك أو بعضه ، فلو كانت للعموم ؛ لما حسن هذا الاستفسار.
وإن سلمنا العموم ، غير أنه يجب حمله على حالة التوبة ، على الصغائر وهو إن كان على خلاف الظاهر ؛ غير أنه محتمل ، وقد تأيد بالدليل العقلى على ما ذكرنا (٢) ، وبما سيأتى من الأدلة السمعية عن قرب (٣).
سلمنا تناوله للكبيرة فى غير حالة التوبة ، غير أنه لا يدل على ذلك مطلقا ؛ بل مشروطا بالمشيئة لقوله تعالى (لِمَنْ يَشاءُ) وذلك يتوقف على وجود المشيئة ؛ فلم قلتم بوجودها فيما نحن فيه؟.
سلمنا وجوب وجود المشيئة غير أن المغفرة قد تطلق بمعنى إسقاط العقوبة ، وقد تطلق بمعنى تأخير العقوبة ؛ وليس الحمل على الإسقاط أولى من التأخير ، وبيان إطلاق المغفرة بمعنى : تأخير العقوبة.
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ١١٦.
(٢) انظر ما سبق ل ٢٢٧ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما سيأتى ل ٢٢٨ / ب.