سلمنا أن الشفاعة لا تكون إلا لطلب دفع الضرر ، غير أنه يجب حمل ذلك على الصغائر ، وحال التوبة لما سبق (١).
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على العفو والغفران بالنسبة إلى أهل الكبائر من غير توبة ؛ غير أنه معارض بما يدل على نقيضه وهو ما ذكرتموه من نصوص الوعيد ، فى معارضة المرجئة ، والترجيح لآيات الوعيد. من وجهين :
الأول : أن أكثرها خاص بالكبائر ، وآيات الوعيد فعامة / للصغائر ، والكبائر.
والثانى : أن أكثر طباع الناس مجبولة على الشر ، والظلم دون الخير ، فكان احتياجهم إلى شرع الزواجر أولى.
والجواب :
قولهم (٢) : ما ذكرتموه يلزم منه أمر ممتنع.
لا نسلم.
قولهم : يلزم منه الإغراء بالمعصية فهو مبنى على التحسين والتقبيح العقلى (٢). وقد أبطلناه (٣).
وإن سلمنا ذلك : لكنه يلزم منه تقبيح العفو شاهدا ؛ وهو خلاف إجماع العقلاء.
ثم هو منقوض بالتوبة ، فإنهم قالوا بوجوب قبولها ، ولا يخفى أن ذلك مما يسهل على العاصى الإقدام على المعصية أيضا ؛ ثقة منه بالتوبة حسب وثوقه بالغفران ؛ بل أبلغ من حيث إن التوبة مقدورة بخلاف الغفران ؛ فكان يجب أن لا تقبل توبته ؛ لما فيه من الإغراء ؛ وهو خلاف الإجماع.
فلئن قالوا : هو غير واثق بالإمهال إلى التوبة ؛ فهو أيضا غير واثق بالعفو.
قولهم : يلزم أن يكون التفضل مساويا للثواب ؛ فقد سبق جوابه.
قولهم : إنه منقوض بالذم ، ليس كذلك ؛ فإن الذم إما أن لا يكون مستحقا للمسقط ، أو يكون مستحقا له.
__________________
(١) راجع ما سبق ل ٢٢٨ / أ.
(٢) من أول (قولهم : إلى والتقبيح العقلى) ساقط من ب.
(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ل ١٧٤ / ب وما بعدها.