فقال الجبائى : بامتناع ذلك عقلا.
وقال أبو هاشم : بامتناع ذلك سمعا ، لا عقلا ، وهل المحابطة بين الثواب والعقاب ، عند القائلين بالمحابطة ، أو بين الطاعات ، والزلات؟. فقد اختلفوا فيه أيضا.
وإذ أتينا على إيضاح المذاهب بالتفصيل ، فلا بد من الإشارة إلى مآخذ المخالفين ، ومناقضاتهم فيها.
أما المرجئة : فقد بينا مآخذهم وإبطالها فى الفصل الثالث (١).
وأما من قال بإحباط الطاعات ، وثوابها بالكبيرة الواحدة زادت على الطاعات ، أو نقصت عنها ، فقد احتج بحجج :
الحجة الأولى : أنهم قالوا : الطاعة ، والمعصية صفتان متقابلتان ، ومرتكب الكبيرة عاص ؛ فلا يكون مطيعا ، وإذا لم يكن مطيعا ؛ فلا يستحق الثواب بالطاعة.
الثانية : أن استحقاق الثواب يستدعى تعظيم المستحق ، واستحقاق العقاب يستدعى إهانته ، وتعظيم الشخص الواحد ، فى حالة واحدة ، من شخص واحد واهانته له محال ، ومرتكب الكبيرة مستحق العقاب ؛ فلا يكون مستحقا للثواب.
الثالثة : أنهم قالوا : قد دللنا فيما تقدم ، على أن الثواب المستحق لا بد وأن يكون مؤبدا ، وأن العقاب المستحق لا بد وأن يكون مؤبدا ، فاستحقاقهما معا يكون محالا.
ومرتكب الكبيرة مستحق للعقاب ؛ فلا يكون مستحقا للثواب. ويدل على تحقيق هذه الحجج قوله ـ تعالى : ـ (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٢) ، وقوله ـ تعالى : ـ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣) وذلك يدل على تعذر استحقاق الثواب ، مع الموجب لاستحقاق العقاب.
وأما حجة الجبائى : على أن المعصية القاصرة عن الطاعة غير موجبة لتنقيص شيء من ثواب الطاعة. أن موجب الطاعة الثواب ، وموجب المعصية العقاب ، فإذا كثرت الطاعات على المعاصى ، وربت عليها كانت موجبة لاستحقاق الثواب الدائم ، ويمتنع مع
__________________
(١) راجع ما سبق ل ٢٢٦ / أوما بعدها.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٦٤.
(٣) سورة الزمر ٣٩ / ٦٥.