الثانى : وإن سلمنا الاتحاد فى النوعية ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم أن ما ثبت للبعض يجب الاشتراك فيه ، وإلا لاستوى الناس كلهم فيما ثبت للواحد منهم من العلم ، والجهل ، وغير ذلك من الأحوال.
الثالث : وإن سلمنا لزوم الاشتراك بينهم فيما يدركه الواحد منهم من المدركات العقلية ؛ فلا يلزم ذلك فى القضايا الشّرعيّة ، فإن طريق معرفتها إنّما هو السمع دون العقل. ولا يلزم من تخصيص بعض الناس بالوحى والإرسال التشريك والتّعميم بينهم ضرورة اتحاد النوع وإلا لاستوى الناس كلهم فى أحوالهم بحيث لا يكون هذا عالما وهذا جاهلا ، وهذا سعيدا ، وهذا شقيا ، وهذا أعمى وهذا بصيرا ، وهذا كاملا ، وهذا ناقصا ، إلي غير ذلك. ومع ذلك فقد وقع التفاوت فى هذه الأمور فيما بينهم مع اتحاد النوع ، ولم يعد ذلك قبيحا من الله ـ تعالى ؛ لكونه الفاعل لذلك ؛ [فكذلك (١)] فيما نحن فيه.
وعن الخامسة :
أن ما ذكروه إنّما يلزم على المعتزلة حيث اعترفوا بوجوب الإمهال عند الاستمهال ولا محيص لهم عنه.
وأمّا على رأى أهل الحق فلا ؛ فإنا بينا فيما تقدم فى التعديل والتجوير (٢) أنه مهما ادعى النبي الرسالة ، واقترن بدعواه المعجزة الخارقة للعادة ، وكان المبعوث إليه عاقلا / متمكنا من النظر فى المعجزة.
فقد ثبت الشرع ، واستقر الوجوب ، وامتنع التأخير ؛ بل ولو وقع الإلزام على أصلهم بقبح التأخير / / والإمهال فى النظر حيث لم يرشدهم إلى المصالح ، ويحذرهم من المهالك ، ويعرفهم طرق السعادة ليسلكوها ، ومفاوز المخافة ليتجنبوها بعد ما ظهر صدقة بالمعجزات القاطعة ؛ لم يجدوا إلى دفعه سبيلا.
كيف وأن ما يجب الإمهال فى النظر لأجله ؛ فالنبى قائم بصدده ، ومتكفل به من تعريف ذات الله ـ تعالى ـ وصفاته ، وما يتعلق بأحكام الدنيا ، والأخرى ، ولهذا إذا بحث عن أحوال الأنبياء ، والمرسلين وجدناهم فى الدعوة إلى الله ـ تعالى وإلى معرفته سابقين.
__________________
(١) ساقط من (أ)
(٢) انظر ما مر ل ١٨٥ / أمن الجزء الأول وما بعدها ص ١٤٦ وما بعدها من الجزء الثانى.
/ / أول ل ٧٦ / ب.