وأما بعثه رسل متوالية بآيات :
فلا يخلو إما أن تكون آية الكل واحدة ، أو مختلفة بأن تكون آية كل واحد مخالفة لآية الأخر.
فان كان الأول : فما كان منها يعد نادرا خارقا للعادة فى العرف ؛ فهو آية ، وإن كان متكررا أو ما خرج منه إلى حد الاعتياد ، والخروج عن الندرة ؛ فليس بآية.
فإن قيل : وبما ذا يعرف النادر من المعتاد مع التكرر ؛ فجوابه ما سبق فى الشبهة المتقدمة.
وان كان الثانى : فالذى إليه ميل أكثر الأصحاب أن كل واحدة منها آية خارقة للعادة ، ولا أثر لوجود باقى المعجزات السابقة فى خروج المتأخر منها عن كونه خارقا للعادة فى جنسه ضرورة الاختلاف ، والّذي اختاره القاضى أبو بكر أن ما كان من التكرار غير موجب لأنس النفوس باعتياد خرق العادات ؛ فهو آية.
وما كان موجبا لذلك بحيث لا يستبعدون معه حدوث شيء من الخوارق ؛ بل صار خرق العوائد عندهم معتادا ؛ فلا يكون آية ؛ وهذا هو الأسدّ.
فإن قيل : إذا كان توالى الآيات ممتنعا ؛ فيلزم من ذلك امتناع تواتر الرسل ضرورة افتقار كل رسول إلى آية ؛ وهو خلاف نص الكتاب والأخبار التى لا ريب فيها عندكم :
أما الكتاب : فقوله تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) (١).
وأما الأخبار : فما روى أن الله ـ تعالى ـ أرسل إلى أصحاب الرسّ [ثلاثين (٢)] نبيا فى ثلاثين يوما ؛ فقتلوهم ؛ فلزم منه القدح فى النبوّات حيث انكم اعترفتم بأن الله ـ تعالى ـ بعث من زمن آدم إلى أن بعث محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبى ، ولو وزعوا على الأزمان فيما بين آدم ومحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لكانوا فى / / حد التواتر.
وجوابه على رأى القاضى : أنه [(٣) وإن جاز تواتر الأنبياء وكان ذلك واقعا فليس يلزم من ذلك تواتر الآيات بتواتر الأنبياء إذ الآيات ليست للأنبياء ؛ بل للرسل. والرسل] (٣)
__________________
(١) سورة المؤمنون ٢٣ / ٤٤.
(٢) ساقط من أ.
/ / أول ل ٧٨ / أ.
(٣) من أول (وإن جاز تواتر الأنبياء ... الخ والرسل) ساقط من (أ).