الأصل الرابع
فى إثبات رسالة محمّد صلىاللهعليهوسلم (١)
ومن ثبتت نبوّته ، واشتهرت رسالته بالمعجزات ، والآيات القاطعات كموسى ، وعيسى ، وغيرهما ممّا تواترت به الأخبار بما ظهر على أيديهم كفلق البحر (٢) ، وقلب العصا حيّة ، وإحياء الميّت ، وإبراء الأكمه ، والأبرص (٣) وغير ذلك كثير. غير أنا نقتصر من ذلك على إثبات رسالة سيد الأولين والآخرين محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ وعلى آله أجمعين ـ إذ الطوائف على إنكار بعثته متفقون ، وفى مآخذهم مختلفون ؛ فرب من أنكر رسالته لانكار جواز البعثة كما سبق (٤) ، ورب من أنكرها لمجرد القدح فى معجزاته والطعن فى آياته : كالنّصارى ، وغيرهم من المعترفين بجواز نسخ الشرائع وبعثة الرسل. ورب من أنكر رسالته لاعتقاده إحالة نسخ الشرائع : كبعض اليهود لكن منهم من أحال ذلك عقلا كالشمعنية (٥) : ومنهم من جوزه عقلا وأحاله شرعا : كالعنانية (٦). ولم يوافق
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة سأذكر فيما يلى بعض كتب المتقدمين التى استفاد منها الآمدي وناقشها ، وبعض كتب المتأخرين التى تأثرت به واستفادت منه وناقشته.
التمهيد للباقلانى ص ١١٤ وما بعدها. والإنصاف له أيضا ص ٦٢ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٣٣٨ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ١٦١ وما بعدها. وغاية المرام فى علم الكلام للآمدى ص ٣٤١ وما بعدها.
وشرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٥٧٦ وما بعدها. والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل له أيضا. الجزء الخامس عشر : التنبؤات والمعجزات. وتثبيت دلائل النبوة له أيضا. ومن كتب المتأخرين عن الآمدي المتأثرين به : شرح المواقف للإيجي ـ الموقف السادس ـ ص ٩٤ وما بعدها.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٣٤ وما بعدها. وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٢٠٤ وما بعدها.
(٢) من معجزات سيدنا موسى ـ عليهالسلام ـ فلق البحر ، وقلب العصا حية.
(٣) من معجزات سيدنا عيسى ـ عليهالسلام ـ إحياء الميت ، وإبراء الأكمه والأبرص.
(٤) هم : البراهمة ، والصابئية ، والتناسخية. انظر عنهم ما مر فى الأصل الثالث ل ١٣٣ / ب وما بعدها من الجزء الأول.
(٥) الشمعنية : أحالت الشمعنية نسخ الشرائع ، وتبدل الذرائع عقلا ، وهم الربانية وسماهم ابن حزم الأشعثية ، وهم القائلون بأقوال الأحبار ومذاهبهم ، وهم جمهور اليهود. يدعون أن الشريعة بدأت بموسى وانتهت به ولا يجوز نسخها ؛ لأن النسخ بداء ، ولا يجوز البداء على الله تعالى.
[الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١ / ١٧٨ ، والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١٠ وما بعدها].
(٦) العنانية : هم أصحاب عنان بن داود ، رأس الجالوت. يخالفون سائر اليهود فى السبت والأعياد ، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد ، ويذبحون الحيوان على القفا. أحالوا نسخ الشريعة شرعا. وهم كسائر اليهود.
يدعون أن الشريعة لا تكون إلا واحدة ، وهى ابتدأت بموسى ـ عليهالسلام ـ وتمت به. فلم تكن قبله شريعة. إلا حدود عقلية ، وأحكام مصلحية. ولم يجيزوا النسخ أصلا ؛ لأن النسخ فى الأوامر بداء. ولا يجوز البداء على الله ـ تعالى.
[الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١ / ١٧٨ ، والمل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١٥ وما بعدها].