وقد اختلف المسلمون فى وجه إعجازه :
فمنهم من قال : المعجز فيه ما اشتمل عليه من النّظم الغريب ، والوزن العجيب ، والأسلوب المخالف لما استنبطه البلغاء من العرب من الأوزان ، والأساليب فى مطالعه / وفواصله ، وهذا هو مذهب بعض المعتزلة.
ومنهم من قال : وجه الإعجاز فيه ما اشتمل عليه من البلاغة الّتي تتقاصر عنها سائر ضروب البلاغات. وتحقيق ذلك يتوقّف على تحقيق معنى البلاغة ، واشتمال القرآن على أبلّغها وهذا هو قول الجاحظ من المعتزلة أيضا.
أما البلاغة : ففى اللغّة مأخوذة من البلوغ ، ومنه يقال بلغ فهو بليغ ؛ لمن بلغ ظاهر لفظه الإنباء عن ما فى ضميره.
وأما حدّ البلاغة : فقد اختلفت فيه عبارات الأدباء ، وأسّدها وأوفاها بالغرض قول بعضهم : البلاغة هى التّعبير عن المعنى الصّحيح لما طابقه من اللّفظ الرّائق : من غير مزيد على المقصد ولا انتقاص عنه فى البيان.
وعلى هذا فكلّما ازداد الكلام من المطابقة للمعنى وشرف الألفاظ ورونق المعانى. والتجنّب عن الرّكيك المستغثّ منها كانت بلاغته أزيد.
وهل رتب البلاغة متناهية أم لا؟ : فالذى ذهب إليه بعض أصحابنا : أن مراتب البلاغة غير متناهية ، وأنّه ما من رتبة منها إلا وفوقها رتبة فى علم الله ـ تعالى ـ [(١) إلى ما لا يتناهى.
وقال القاضى أبو بكر : بتناهيها فى علم الله ـ تعالى ـ] (١) وان لم يحط بها علم المحدثين.
والحق أنه إن نظر إلى اللغات الواقعة المتناهية فمراتب البلاغة فيها لا بد وأن تكون متناهية ؛ لأن البلاغة على ما ذكرناه عائدة الى مطابقة الشّريف من الألفاظ للصّحيح من المعانى من غير زيادة فى القصد ، ولا نقصان عنه فى البيان.
__________________
(١) ساقط من (أ)