وقوله ـ تعالى ـ :
(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١)
وقوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (٢) إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على تعجيز الخلق وإيضاح امتناع المعارضة عليهم وأن ذلك مما شاع وذاع واشتهر اشتهارا يتعذر معه الإنكار ، كتعذّر إنكار ما علم وجوده بالتّواتر ؛ كمكّة ، وبغداد.
الدعوى الرابعة :
أنّه لم يوجد لمعجزاته معارض ، أنه تحدّى بالقرآن ، وأن العرب العرباء مع شدة بأسها وعظم مراتبها ، ومنعتهم عن أن يدخلوا فى حكم حاكم وتبوئهم عن قبول رسم راسم ، فمنهم من أجاب بالقبول ، وأذعن بالدخول فى أحكامه ، ومراسمه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومنهم من أبى إلا القتل والقتال ، والحرب ؛ والنّزال فاستنزل بالعنف عن رتبته وأخذه بالقهر مع نبوته. ولو أن ذلك مما لهم سبيل إلى معارضته ، أو إبداء سورة فى مقابلته ، مع أنهم أهل اللسان ، وفصحاء الزمان ؛ لقد بالغوا فى ذلك مما يجدون إليه سبيلا ؛ إذ هو أقرب الطرق إلى إفحامه ، وأسهلها فى ردعه ، وإلجامه.
وادراء لما ينالهم من الذّلّ فى طاعته ، والمضار اللازمة لهم بمخالفته من قتل الأنفس ، ونهب الأموال ، واسترقاق الأولاد إلى غير ذلك ، وحيث التزموا ما ذكرناه من المضار الموافقة والمخالفة دلّ على عجزهم عن المعارضة قطعا ؛ نظرا إلى العادة.
وإذا ثبتت هذه القواعد ، واستقرّت هذه المقدمات ؛ لزم أن يكون محمد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رسولا.
واعلم أن كل ما يتجه من الشبه على جواز البعثة عقلا ؛ فهو متجه هاهنا ، ويختص بما نحن فيه هاهنا شبه.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٣٨.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٣٤.