الثالث : أن من جمع القرآن من الصحابة اختلفت مصاحفهم ولم تتفق ؛ كمصحف ابن (١) مسعود ، وأبىّ بن (٢) كعب ، وزيد بن (٣) ثابت ، وعثمان (٤) ، وانكر كل واحد مصحف الآخر. حتى إن عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ، وقال ابن مسعود : ولو ملكت كما ملكوا ؛ لصنعت بمصحفهم كما فعلوا بمصحفى. ولو كانت آياته متواترة ؛ لما كان كذلك (٥).
الرابع : هو ان اختلافهم فى التسمية هل هى آية من القرآن فى أول كل سورة : ظاهر مشهور ؛ وذلك يدل على عدم تواترها (٦).
__________________
(١) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلى (أبو عبد الرحمن) صحابى جليل من أكابر الصحابة ـ من السابقين إلى الإسلام ، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. كان خادم رسول الله الأمين وصاحب سره ، ورفيقه فى حله وترحاله وغزواته قال عنه عمر ـ رضي الله عنه ـ وعاء ملئ علما. له فى كتب الحديث ٨٤٨ حديثا. توفى بالمدينة سنة ٣٢ ه عن عمر يصل ستين عاما ، (صفة الصفوة ١ / ١٤٧ ـ ١٥٧. الأعلام للزركلى ٤ / ١٣٧).
(٢) أبى بن كعب بن قيس بن عبيد. من بنى النجار ، من الخزرج أبو المنذر ، صحابى جليل أنصارى ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود مطلعا علي الكتب القديمة ، يكتب ويقرأ ، ولما أسلم كان من كتاب الوحى. شهد المشاهد كلها مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان يفتى على عهده كتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس فى عهد عمر ، كما اشترك فى جمع القرآن مع عثمان ـ رضي الله عنه ـ روى ١٦٤ حديثا ، وفى الحديث : «اقرأ أمتى أبي بن كعب» مات بالمدينة سنة ٢١ ه (صفة الصفوة ١ / ١٧٧ ، والأعلام للزركلى ١ / ٨٢).
(٣) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصارى الخزرجى ـ رضي الله عنه ـ صحابى جليل من أكابر الصحابة كان من كتاب الوحى ، ولد فى المدينة قبل الهجرة بأحد عشر عاما. كان رأسا بالمدينة فى القضاء والفتوى والقراءة والفرائض. كان ابن عباس ـ على جلالة قدرة وسعة علمه ـ يأتى إلى بيته للأخذ عنه ويقول : العلم يؤتى ولا يأتى ، وأخذ ابن عباس بركاب زيد يوما فنهاه زيد ، فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا ، فأخذ زيد كفه وقبلها وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا ، وكان أحد الذين جمعوا القرآن فى عهد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، توفى سنة ٤٥ ه (صفة الصفوة ١ / ٢٦٨ ، والأعلام للزركلى ٣ / ٥٧).
(٤) عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أمير المؤمنين ، ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، من السابقين الأولين ، ولد بمكة قبل الهجرة بسبعة وأربعين سنة ، وأسلم بعد البعثة بقليل. كان غنيا شريفا فى الجاهلية ، ومن أعظم أعماله فى الإسلام تجهيزه نصف جيش العسرة بماله ، تولى الخلافة بعد استشهاد عمر ـ رضي الله عنه ـ سنة ٢٣ ه ، استشهد ـ رضي الله عنه ـ سنة ٣٥ ه روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (١٤٦) حديثا. (صفة الصفوة ١ / ١١١ ـ ١١٦ والأعلام للزركلى ٤ / ٢١٠).
(٥) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فقال : «المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كلها كانت متواترة عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على اختلاف حروفها ، كلها كانت مقروءة على النبي ، ومعروضة عليه وحيث اتفقت الصحابة على مصحف عثمان دون غيره ..... لأنه آخر ما عرض على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان يصلى به إلى أن قبض ، واتفاقهم على إعدام ما سواه ، وحرقه ، إنما كان لخوفهم من وقوع الاختلافات فى روايات القرآن ، وخروج القرآن بسبب ذلك فيما بعدهم عن التواتر فى كل حرف منه».
(٦) وللرد على هذه الشبهة قال الآمدي : «لم يقع الاختلاف فى كونه من القرآن وإنما وقع الخلاف فى وضعها آية فى أول كل سورة».