وأما القول بأنّ وجه إعجاز القرآن ما اشتمل عليه من أخبار الغيب ؛ فهو باطل من أربعة أوجه : ـ
الأول : أنه لا يخفى جواز الإصابة فى المرّة ، والمرّتين وأن ذلك ليس خارقا للعادة ، والحدّ الّذي تصير به الأخبار عن الغيب فى الكرّات المتعددة معجزا غير مضبوط. وإذا لم يكن مضبوطا ؛ فلا يمتنع أن يكون ما اشتمل عليه القرآن من الأخبار الغيبية غير معجز.
الثانى : أنّه يلزم منه أن تكون أخبار المنجّمين ، والكهنة عن الأمور الغيبيّة مع كثرته معجزا.
الثالث : أنه يلزم من ذلك أن تكون التّوراة ، والإنجيل من المعجزات ؛ لاشتمالها على أخبار الأولين ، وسير الماضين كما فى كتابكم ، ولم تقولوا به.
الرابع : أنّه إذا كان الإعجاز ليس إلا فى الإخبار عن الغيب ؛ فيلزم أن لا يكون ما خلا عن ذلك من سور القرآن معجزا.
وأما القول بأنّ وجه الإعجاز فى القرآن : إنّما هو عدم تناقضه واختلافه مع طوله ، وامتداده ؛ فباطل من وجهين : ـ
الأول : لا نسلم عدم التّناقص ، والاختلاف فيه :
أما بيان التّناقض فقوله ـ تعالى : ـ (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) (١) والقرآن مشتمل على الشعر ، على ما تقدم.
وأيضا قوله ـ تعالى : ـ (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢).
فالآية دالة على نفى الاختلاف فيه. والاختلاف واقع فيه على ما يأتى ؛ فيكون تناقضا.
وأيضا فقوله ـ تعالى : ـ (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (٣) وقوله تعالى : ـ (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٤)
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٦٩.
(٢) سورة النساء : ٣ / ٨٢.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٥٩.