(خَلِيفَةً) قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أن الله تعالى قال للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة.
قالوا : ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قال ابن جرير : فكان تأويل الآية على هذا إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه ، وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه. قال ابن جرير : وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله ، إنما هي خلافة قرن منهم قرنا ، قال : والخليفة الفعلية من قولك : خلف فلان فلانا في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده كما قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١٤] ، ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر مكانه فكان منه خلفا ، قال : وكان محمد بن إسحاق يقول في قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، يقول ساكنا وعامرا يعمرها ويسكنها خلفا ليس منكم. قال ابن جرير : وحدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضا ، قال : فبعث الله إليهم إبليس [في جند من الملائكة] (١) فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، ثم خلق آدم فأسكنه إياها ، فلذلك قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن ابن سابط : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، قالُوا : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : يعنون به بني آدم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال الله للملائكة : إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا وأجعل فيها خليفة ، وليس لله عزوجل [يومئذ] (٢) خلق إلا الملائكة والأرض ليس فيها خلق ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها (٣). وقد تقدم ما رواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة : أن الله أعلم الملائكة بما تفعله ذرية آدم فقالت الملائكة ذلك ، وتقدم آنفا ما رواه الضحاك عن ابن عباس أن الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم ، فقالت الملائكة ذلك فقاسوا هؤلاء بأولئك.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمر ، قال : كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة ، فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور فقال الله للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ قال : إني أعلم ما لا تعلمون. وقال
__________________
(١) الزيادة من الطبري.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.