أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ـ إلى قوله ـ (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : خلق الله الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجن فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ببغيهم فكانت الدماء بينهم ، وكان الفساد في الأرض ، فمن ثم قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت الجن ويسفك الدماء كما سفكوا. قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا الحسن قال : قال الله للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة) ، قال لهم : إني فاعل ، فآمنوا بربهم فعلمهم علما وطوى علما علمه ولم يعلموه ، فقالوا بالعلم الذي علمهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ قال : إني أعلم ما لا تعلمون. قال الحسن : إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء ، ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون ، فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فذلك حين قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام الرازي حدثنا ابن المبارك عن معروف يعني ابن خربوذ المكي عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول : السجل ملك (١) ، وكان هاروت وماروت من أعوانه ، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب ، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور فأسر ذلك إلى هاروت وماروت وكانا في أعوانه فلما قال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). قالا ذلك استطالة على الملائكة. وهذا أثر غريب وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب ، وفيه نكارة توجب رده ، والله أعلم ، ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط ، وهو خلاف السياق. وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم أيضا حيث قال : حدثنا أبي حدثنا هشام بن أبي عبيد الله حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال : سمعت أبي يقول : إن الملائكة الذين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) كانوا عشرة آلاف فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم ، وهذا أيضا إسرائيلي منكر كالذي قبله ، والله أعلم. قال ابن جريج : وإنما تكلموا بما أعلمهم الله أنه كائن من خلق آدم فقالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. وقال ابن جرير (٢) : وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم ، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها : وكيف
__________________
(١) هو المذكور في سورة الأنبياء ، الآية ١٠٤ (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ). قال الزمخشري في الكشاف ١ / ١٠٨ : وقيل : السجل ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٢٤٥.