قصة الملائكة وآدم ، فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته ولذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، قال : وقد سبق من الله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩] قال : ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه ، فقال : فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل. وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو أن معنى قوله تعالى : (وَأَعْلَمُ ، ما تُبْدُونَ) وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض ، ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم ، فلا يخفى علي أي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطويا إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته ، قال : وصح ذلك كما تقول العرب : قتل الجيش وهزموا ، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض ، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) [الحجرات : ٤] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحدا من بني تميم ، قال : وكذلك قوله (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (١).
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣٤)
وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، وقد دل على ذلك أحاديث أيضا كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى عليهالسلام «رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة ، فلما اجتمع به قال : أنت آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته» وقال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء الله.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، قال : وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون فيه طرفها إذا ألهبت. قال : وخلق الإنسان من طين ، فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا ، قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحي الذي يقال لهم الجن (٢) فقتلهم إبليس
__________________
(١) الطبري ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٢) كذا أيضا في الطبري : «الجن» بالجيم. وقد خطأه الأستاذ محمود شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري (طبقة دار المعارف بمصر) وقال إن الصواب «الحن» بالحاء المهملة ، مستشهدا بسياق الأثر الذي ميز بين إبليس وبين ـ