المعربين (١) : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه كما قال (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود : ٤٣] وقال : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] وقال الشاعر: [الطويل]
بتيهاء قفر والمطيّ كأنها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (٢) |
أي قد صارت. وقال ابن فورك : [«كان» هنا بمعنى «صار» خطأ تردّه الأحول. وقال جمهور المتأوّلين (٣)] تقديره وقد كان في علم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي. وذكر هاهنا مسألة فقال : قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته خلافا لبعض الصوفية والرافضة ، هذا لفظه. ثم استدل على ما قال بقوله : ولما اتفقنا على أننا بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أن يوافي الله بالإيمان وهو لا يقطع لنفسه ، علم أن ذلك ليس يدلّ على ولايته لله (٤) قلت : وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضا بما ثبت عن ابن صياد أنه قال : هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلىاللهعليهوسلم (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي : قلت للشافعي : كان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فقال الشافعي : قصر الليث رحمهالله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة (٥). وقد حكى الرازي وغيره قولين للعلماء : هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض أو عام في ملائكة السموات والأرض ، وقد رجح كلا من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أعلم.
(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ
__________________
(١) أي بعض المفسرين أو المتأولين.
(٢) البيت لعمرو بن أحمر في ديوانه ص ١١٩ ؛ والحيوان ٥ / ٥٧٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٠١ ؛ ولسان العرب (عرض ، كون). وله أو لابن كنزة في شرح شواهد الإيضاح ص ٥٢٥ ؛ وبلا نسبه في أسرار العربية ص ١٣٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١١١؟ والمعاني الكبير ١ / ٣١٣ ؛ والقرطبي ١ / ٢٩٦.
(٣) الزيادة من القرطبي ١ / ٢٩٧. وهي ضرورية لصحة العبارة.
(٤) عبارة الأصل : «لذلك يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمرة ، وهي غير واضحة. وما أثبتناه عن القرطبي ، وكذا الزيادة قبل هذا بين معقوفين.
(٥) كذا بالأصل. ولا فرق بين عبارتي الليث والشافعي ، فتأمل.