يا ناظرا يرنو بعيني راقد |
|
ومشاهدا للأمر غير مشاهد |
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي |
|
درج (١) الجنان ونيل فوز العابد |
أنسيت ربك حين أخرج آدما (٢) |
|
منها إلى الدنيا بذنب واحد |
وقال ابن القاسم :
ولكننا سبي العدو فهل ترى |
|
نعود إلى أوطاننا ونسلم |
قال الرازي عن فتح الموصلي أنه قال : كنا قوما من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا ، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها (٣). فإن قيل : فإذا كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء ، فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة ، وقد طرد من هنالك طردا قدريا ، والقدري لا يخالف ولا يمانع؟ فالجواب : أن هذا بعينه استدل به من يقول : إن الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء ، كما قد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية ، وأجاب الجمهور بأجوبة ، أحدها : أنه منع من دخول الجنة مكرما ، فأما على وجه السرقة والإهانة ، فلا يمتنع ، ولهذا قال بعضهم : كما جاء في التوراة أنه دخل في فم الحية إلى الجنة. وقد قال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة. وقال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض ، وهما في السماء ، ذكرها الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي هاهنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك ، فأجاد وأفاد (٤).
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣٧)
قيل إن هذه الكلمات مفسرة بقوله تعالى : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣] وروي هذا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٥). وقال أبو إسحاق السبيعي عن رجل من بني تميم قال : أتيت ابن عباس فسألته ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال : علم شأن الحج. وقال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع ، أخبرني من سمع عبيد بن عمير ، وفي رواية قال : أخبرني مجاهد عن عبيد بن عمير ، أنه قال : قال آدم : يا رب خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو
__________________
(١) في الرازي : «درك».
(٢) في الرازي «أنسيت أن الله أخرجه آدما».
(٣) انتهى نقل ابن كثير عن الرازي.
(٤) انظر تفسير القرطبي ١ / ٣١٣ ـ ٣١٩.
(٥) وفي الدر المنثور (١ / ١١٧ ـ ١١٨) آثار بهذا المعنى عن ابن عباس ، علاوة عما ورد عن الحسن والضحاك ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد وقتادة.