الرسول صلىاللهعليهوسلم والاتعاظ بالقرآن وزواجره وامتثال أوامره وتصديق أخباره والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، ولهذا قال (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) يعني به القرآن الذي أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم النبي الأمي العربي بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا مشتملا على الحق من الله تعالى مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل. قال أبو العالية رحمهالله في قوله تعالى (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ، يقول لأنهم يجدون محمدا صلىاللهعليهوسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك. وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) قال بعض المعربين : أول فريق كافر به أو نحو ذلك ، قال ابن عباس : ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم ، قال أبو العالية : يقول : ولا تكونوا أول من كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعكم بمبعثه ، وكذا قال الحسن والسدي والربيع بن أنس ، واختار ابن جرير (١) أن الضمير في قوله «به» عائد على القرآن الذي تقدم ذكره في قوله (بِما أَنْزَلْتُ) وكلا القولين صحيح لأنهما متلازمان ، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ومن كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقد كفر بالقرآن. وأما قوله (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل ، لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير ، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم.
وقوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، كما قال عبد الله بن المبارك : أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن هارون بن يزيد قال : سئل الحسن ، يعني البصري عن قوله تعالى ، (ثَمَناً قَلِيلاً) قال : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. قال ابن لهيعة : حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) إن آياته كتابه الذي أنزله إليهم ، وإن الثمن القليل الدنيا وشهواتها ، وقال السدي : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) يقول : لا تأخذوا طمعا قليلا ، ولا تكتموا اسم الله ، فذلك الطمع هو الثمن. وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) يقول : لا تأخذوا عليه أجرا ، قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم علّم مجانا علمت مجانا (٢). وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع بالكتمان واللبس لتستمروا على رئاستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب. وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح (٣) رائحة الجنة يوم القيامة» (٤) فأما
__________________
(١) الطبري ١ / ٢٩١.
(٢) راح الشيء روحا : وجد ريحه.
(٣) أبو داود (ترجّل باب ٢٠)