إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا رضي الله عنه يقول : لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي ويدعو حتى أصبح. قال ابن جرير : وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه مر بأبي هريرة وهو منبطح على بطنه فقال له : «أشكم درد» ومعناه أيوجعك بطنك؟ قال : نعم ، قال : «قم فصل ، فإن الصلاة شفاء» (١). قال ابن جرير : وقد حدثنا محمد بن الفضل ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا ابن علية حدثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قسم وهو في سفر ، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ ، فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ). وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال انهما معونتان على رحمة الله. والضمير في قوله : «إنها لكبيرة» عائد إلى الصلاة ، نص عليه مجاهد ، واختاره ابن جرير. ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام وهو الوصية بذلك ، كقوله تعالى في قصة قارون (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص : ٨٠] وقال تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت : ٣٤ ـ ٣٥] أي وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا ، وما يلقاها أي يؤتاها ويلهمها إلا ذو حظ عظيم. وعلى كل تقدير فقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) أي مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني المصدقين بما أنزل الله ، وقال مجاهد : المؤمنين حقا ، وقال أبو العالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، وقال مقاتل بن حيان : (إلا الخاشعين) يعني به المتواضعين. وقال الضحاك : (وإنها لكبيرة) ، قال : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته الخائفين سطوته المصدقين بوعده ووعيده. وهذا يشبه ما جاء في الحديث «لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه» وقال ابن جرير (٢) : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر المقربة من رضا (٣) الله ، العظيمة إقامتها إلا على الخاشعين أي المتواضعين المستكنّين لطاعته المتذللين من مخافته. هكذا قال. والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ولغيرهم ، والله أعلم.
__________________
(١) الحديث ذكره الطبري معلقا ، دون إسناد. وفيه «اشكنب درد». وهو لفظ فارسي بمعنى : تشتكي بطنك؟ وثبت هذا اللفظ في رواية البخاري في التاريخ الصغير ، ص ٢١٤ : «شكم درد» وفي رواية ابن ماجة «اشكمت درد».
(٢) الطبري ١ / ٣٠٠.
(٣) في الطبري : «مراضي الله».