شاء الله تعالى.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤٧)
يذكرهم تعالى بسالف نعمه إلى آبائهم وأسلافهم ، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [الدخان : ٣٢] وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ٢٠] قال أبو جعفر الرازي (١) عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالما. وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى ، خطابا لهذه الأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١١٠] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» ، والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقا ، حكاه الرازي وفيه نظر. وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي (٢) في تفسيره ، وفيه نظر ، لأن العالمين عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه.
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨)
لما ذكرهم تعالى بنعمه أولا ، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة ، فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) يعني يوم القيامة (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي لا يغني أحد عن أحد ، كما قال (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] : وقال (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧] وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [لقمان : ٣٣] فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا. وقوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) يعني من الكافرين كما قال : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] وكما قال عن أهل النار (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣ / ٤٩.
(٢) تفسير القرطبي ١ / ٣٧٦.