راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فيقول أرعنا سمعك ، فأعظم الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقال ذلك له. وقال السدي : كان رجل من اليهود من بني قينقاع يدعى رفاعة بن زيد (١) يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم فإذا لقيه فكلمه قال : أرعني سمعك واسمع غير مسمع ، وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا ، فكان ناس منهم يقولون: اسمع غير مسمع غير صاغر ، وهي كالتي في سورة النساء ، فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا راعنا. وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بنحو من هذا. قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه راعنا. لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن يقولوها لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، نظير الذي ذكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا الحبلة (٢) ولا تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي» وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) يبين بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين ، الذين حذر الله تعالى من مشابهتهم للمؤمنين ، ليقطع المودة بينهم وبينهم ، ونبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل الذي شرعه لنبيهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث يقول تعالى : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١٠٧)
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) ما نبدل من آية ، وقال ابن جريج عن مجاهد (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أي ما نمحو من آية ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) قال نثبت خطها ونبدل حكمها ، حدث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم. وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي نحو ذلك ، وقال الضحاك (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) ما ننسك ، وقال عطاء أما (ما نَنْسَخْ) ، فما نترك من القرآن. وقال ابن أبي حاتم : يعني ترك فلم ينزل على محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال السدي (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) نسخها قبضها وقال ابن أبي حاتم : يعني قبضها ورفعها ، مثل قوله «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، وقوله «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا».
وقال ابن جرير (٣) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) ، ما ننقل من حكم آية إلى غيره ، فنبدله ونغيره ،
__________________
(١) في الطبري : رفاعة بن زيد بن السائب ، قال أبو جعفر : هذا خطأ ، إنما هو ابن التابوت ، ليس ابن السائب.
(٢) الحبلة (بالتحريك) : الأصل أو القضيب من شجر الأعناب.
(٣) تفسير الطبري ١ / ٥٢١.