وما بعدها ، وأمر إبراهيم عليهالسلام بذبح ولده ، ثم نسخه قبل الفعل ، وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم ، ثم رفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل ، وأشياء كثيرة يطول ذكرها وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه وما يجاب به عن هذه الأدلة بأجوبة لفظية فلا يصرف الدلالة في المعنى ، إذ هو المقصود ، كما في كتبهم مشهورا من البشارة بمحمد صلىاللهعليهوسلم والأمر باتباعه ، فإنه يفيد وجوب متابعته عليه الصلاة والسلام ، وأنه لا يقبل عمل إلا على شريعته ، وسواء قيل إن الشرائع المتقدمة مغيّاة إلى بعثه عليهالسلام ، فلا يسمى ذلك نسخا كقوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ، وقيل : إنها مطلقة ، وإن شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم نسختها ، فعلى كل تقدير فوجوب متابعته متعين ، لأنه جاء بكتاب هو آخر الكتب عهدا بالله تبارك وتعالى ، ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ ، ردا على اليهود عليهم لعنة الله ، حيث قال تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية ، فكما أن له الملك بلا منازع ، فكذلك له الحكم بما يشاء ، (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] وقرئ في سورة آل عمران ، التي نزل في صدرها خطابا مع أهل الكتاب ، وقوع النسخ في قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣] ، كما سيأتي تفسيره. والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وكلهم قال بوقوعه. وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسر : لم يقع شيء من ذلك في القرآن ، وقوله ضعيف مردود مرذول ، وقد تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ ، فمن ذلك قضية العدة بأربعة أشهر وعشر بعد الحول ، لم يجب عن ذلك بكلام مقبول ، وقضية تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس لم يجب بشيء ، ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرة من الكفرة إلى مصابرة الاثنين ، ومن ذلك نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم وغير ذلك ، والله أعلم.
(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٠٨)
نهى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة ، عن كثرة سؤال النبي صلىاللهعليهوسلم عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) [المائدة : ١٠١] أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم ، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة ، ولهذا جاء في الصحيح : «إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» (١) ولما سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلا ، فإن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت
__________________
(١) البخاري (اعتصام باب ٣) ومسلم (فضائل حديث ١٣٢ ، ١٣٣)