وكنت إلى جانب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان ... وأثنوا عليه خيرا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنت بما تقول. فقال الرجل : الله يعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم وجبت وجبت ، ثم شهد جنازة في بني حارثة وكنت إلى جانب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال بعضهم : يا رسول الله بئس المرء كان إن كان لفظا غليظا فأثنوا عليه شرا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لبعضهم : أنت بالذي تقول. فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وجبت. قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قرأ (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ثم قال الحاكم : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض فهم يموتون موتا ذريعا ، فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خيرا ، فقال : وجبت وجبت ، ثم مر بأخرى فأثني عليها شرا ، فقال عمر : وجبت. فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين قال ، قلت كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة» قال : فقلنا وثلاثة قال : فقال «وثلاثة» قال : فقلنا واثنان : قال «واثنان». ثم لم نسأله عن الواحد. وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات به.
وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد حدثنا نافع بن عمر حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنباوة (١) يقول : «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا : بم يا رسول الله؟ قال : «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض» ، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون ، ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمر وشريح عن نافع عن ابن عمر به.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ، وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ، ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبه ، أي مرتدا عن دينه وإن كانت لكبيرة ، أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث
__________________
(١) النباوة : موضع بالطائف.