قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا ، وقال هؤلاء في قوله (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يعني مشركي قريش.
ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة ، أن قالوا : إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم ، فلم يرجع عنه والجواب أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس ، أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة ، فأطاع ربه تعالى في ذلك ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة ، فامتثل أمر الله في ذلك أيضا ، فهو صلوات الله وسلامه عليه مطيع لله في جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين وأمته تبع له.
وقوله ، (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردوا الخشية لي ، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه ، وقوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) عطف على (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ، أي ، لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة ، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به ، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢)
يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم إليهم يتلو عليهم آيات الله مبينات ، ويزكيهم ، أي يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويعلمهم الكتاب ، وهو القرآن ، والحكمة وهي السنة ، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالعقول الغراء ، فانتقلوا ببركة رسالته ، ويمن سفارته ، إلى حال الأولياء ، وسجايا العلماء. فصاروا أعمق الناس علما ، وأبرهم قلوبا ، وأقلهم تكلفا ، وأصدقهم لهجة. وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) [آل عمران : ١٦٤] ، وذمّ من لم يعرف قدر هذه النعمة ، فقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) [إبراهيم : ٢٨] قال ابن عباس : يعني بنعمة الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره ، وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ).
قال مجاهد ، في قوله : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) يقول : كما فعلت فاذكروني ، قال عبد الله بن وهب : عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن موسى عليهالسلام قال : يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه : «تذكرني ولا تنساني ، فإذا ذكرتني فقد شكرتني ، وإذا نسيتني فقد كفرتني» قال الحسن البصري وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس : أن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره