الْمِيثاقَ) [الرعد : ٢٠] وعكس هذه الصفة النفاق كما صح في الحديث «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان» وفي الحديث الآخر : «وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر».
وقوله : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) أي في حال الفقر وهو البأساء ، وفي حال المرض والأسقام وهو الضراء (وَحِينَ الْبَأْسِ) اي في حال القتال والتقاء الأعداء وقاله ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومرة الهمداني ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وأبو مالك والضحاك وغيرهم ، وإنما نصب (الصَّابِرِينَ) على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته والله أعلم ، وهو المستعان وعليه التكلان.
وقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) ، أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم ، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال ، فهؤلاء هم الذين صدقوا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧٩)
يقول تعالى : كتب عليكم العدل في القصاص أيها المؤمنون ، حركم بحركم ، وعبدكم بعبدكم ، وأنثاكم بأنثاكم ، ولا تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدى من قبلكم وغيروا حكم الله فيهم ، وسبب ذلك قريظة والنضير ، كانت بنو النضير قد غزت قريظة في الجاهلية وقهروهم ، فكان إذا قتل النضري القرظي لا يقتل به ، بل يفادى بمائة وسق من التمر ، وإذا قتل القرظي النضري قتل ، وإن فادوه فدوه بمائتي وسق من التمر ضعف دية قريظة ، فأمر الله بالعدل في القصاص ، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرفين المخالفين لأحكام الله فيهم كفرا وبغيا ، فقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ، الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) وذكر في سبب نزولها ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) ، يعني إذا كان عمدا الحر بالحر ، وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا ، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال ، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل العبد منا الحر منهم ، والمرأة منا الرجل منهم ، فنزل فيهم (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) منها منسوخة نسختها (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)