وقوله (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يقول تعالى : فمن بدّل الوصية وحرفها ، فغير حكمها وزاد فيها أو نقص ، ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) قال ابن عباس وغير واحد : وقد وقع أجر الميت على الله ، وتعلق الإثم بالذين بدلوا ذلك (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي قد اطلع على ما أوصى به الميت وهو عليم بذلك وبما بدّله الموصى إليهم.
وقوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) قال ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي : الجنف الخطأ ، وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها بأن زادوا وارثا بواسطة أو وسيلة ، كما إذا أوصى ببيعة الشيء الفلاني محاباة أو أوصى لابن ابنته ليزيدها أو نحو ذلك من الوسائل ، إما مخطئا غير عامد بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر ، أو متعمدا آثما في ذلك ، فللوصي والحالة هذه ، أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي ، ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي ، وهذا الإصلاح والتوفيق ، ليس من التبديل في شيء ، ولهذا عطف هذا فبينه على النهي عن ذلك ، ليعلم أن هذا ليس من ذلك بسبيل ، والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة ، أخبرني أبي عن الأوزاعي ، قال الزهري : حدثني عروة عن عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «يرد من صدقة الجانف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته» وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه من حديث العباس بن الوليد به ، قال ابن أبي حاتم : وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد ، وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط ، وقد رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فلم يجاوز به عروة ، وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عمر بن المغيرة عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الجنف في الوصية من الكبائر» وهذا في رفعه أيضا نظر.
وأحسن ما ورد في هذا الباب ما قال عبد الرزاق : حدثنا معمر عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته ، فيختم له بشر عمله فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة» قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [البقرة : ٢٢٩].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٤)