عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : نسخت هذه الآية التي في الأحزاب الآية التي في البقرة. وقد روى البخاري في صحيحه ، عن سهل بن سعد وأبي أسيد. أنهما قالا : تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم أميمة بنت شرحبيل ، فلما أدخلت عليه ، بسط يده إليها ، فكأنها كرهت ذلك ، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين أزرقين.
القول الثالث أن المتعة إنما تجب للمطلقة إذا لم يدخل بها ولم يفرض لها ، فإن كان قد دخل بها ، وجب لها مهر مثلها إذا كانت وإن كان قد فرض لها وطلقها قبل الدخول ، وجب لها عليه شطره ، فإن دخل بها استقر الجميع ، وكان ذلك عوضا لها عن المتعة ، وإنما المصابة التي لم يفرض لها ولم يدخل بها ، فهذه التي دلت هذه الآية الكريمة على وجوب متعتها ، هذا قول ابن عمر ومجاهد ، ومن العلماء من استحبها لكل مطلقة ممن عدا المفوضة المفارقة قبل الدخول ، وهذا ليس بمنكور ، عليه تحمل آية التخيير في الأحزاب ، ولهذا قال تعالى : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢٤١] ومن العلماء من يقول : إنها مستحبة مطلقا. قال ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب القزويني ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا عمرو ـ يعني ابن أبي قيس ـ عن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، قال : ذكروا له المتعة ، أيحبس فيها؟ فقرأ (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) قال الشعبي : والله ما رأيت أحدا حبس فيها ، والله لو كانت واجبة لحبس فيها القضاة.
(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٧)
وهذه الآية الكريمة مما يدل على اختصاص المتعة بما دلت عليه الآية الأولى ، حيث إنما أوجب في هذه الآية نصف المهر المفروض إذا طلق الزوج قبل الدخول ، فإنه لو كان ثم واجب آخر من متعة لبينها لا سيما وقد قرنها بما قبلها من اختصاص المتعة بتلك الآية ، والله أعلم. وتشطير الصداق والحالة هذه أمر مجمع عليه بين العلماء ، لا خلاف بينهم في ذلك ، فإنه متى كان قد سمى لها صداقا ثم فارقها قبل دخوله بها ، فإنه يجب لها نصف ما سمى من الصداق ، إلا أن عند الثلاثة أنه يجب جميع الصداق إذا خلا بها الزوج وإن لم يدخل بها ، وهو مذهب الشافعي في القديم ، وبه حكم الخلفاء الراشدون ، لكن قال الشافعي : أخبرنا مسلم بن خالد ، أخبرنا ابن جريج عن ليث بن أبي سليم ، عن طاوس ، عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلوا بها ولا يمسها ثم يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق ، لأن الله يقول : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) قال الشافعي : بهذا أقول ، وهو ظاهر