من أدركته الصلاة في الطريق فصلوا وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا تعجيل السير ، ومنهم من أدركته فلم يصل إلى أن غربت الشمس في بني قريظة ، فلم يعنف واحدا من الفريقين.
وهذا على اختيار البخاري لهذا القول ، والجمهور على خلافه ، ويعولون على أن صلاة الخوف على الصفة التي ورد بها القرآن في سورة النساء ، ووردت بها الأحاديث ، لم تكن مشروعة في غزوة الخندق ، وإنما شرعت بعد ذلك ، وقد جاء مصرحا بهذا في حديث أبي سعيد وغيره ، وأما مكحول والأوزاعي والبخاري فيجيبون بأن مشروعية صلاة الخوف بعد ذلك لا تنافي جواز ذلك ، لأن هذا حال نادر خاص ، فيجوز فيه مثل ما قلنا بدليل صنيع الصحابة زمن عمر في فتح تستر وقد اشتهر ولم ينكر ، ولله أعلم.
وقوله (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) أي أقيموا صلاتكم كما أمرتم ، فأتموا ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها ، (كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي مثل ما أنعم عليكم وهداكم وعلمكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة فقابلوه بالشكر والذكر ، كقوله بعد صلاة الخوف (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣] وستأتي الأحاديث الواردة في صلاة الخوف وصفاتها في سورة النساء عند قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) [النساء : ١٠٢].
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٤٢)
قال الأكثرون : هذه الآية منسوخة بالتي قبلها ، وهي قوله (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً). قال البخاري : حدثنا أمية حدثنا يزيد بن زريع ، عن حبيب ، عن ابن أبي ملكية ، قال ابن الزبير : قلت لعثمان بن عفان (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها ، قال يا ابن أخي ، لا أغير شيئا منه من مكانه. ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان : إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها ، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها؟ فأجابه أمير المؤمنين ، بأن هذا أمر توقيفي ، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها ، فأثبتها حيث وجدتها.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها