يقول تعالى مخبرا عن طالوت ملك بني إسرائيل حين خرج في جنوده ، ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل ، وكان جيشه يومئذ فيما ذكره السدي ثمانين ألفا ، فالله أعلم ، أنه قال (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) أي مختبركم بنهر ، قال ابن عباس وغيره : وهو نهر بين الأردن وفلسطين ، يعني نهر الشريعة المشهور ، (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) أي فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ، أي فلا بأس عليه ، قال الله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) قال ابن جريج : قال ابن عباس : من اغترف منه بيده روي ، ومن شرب منه لم يرو. وكذا رواه السدي عن أبي مالك ، عن ابن عباس : وكذا قال قتادة وابن شوذب ، وقال السدي : كان الجيش ثمانين ألفا ، فشرب منه ستة وسبعون ألفا ، وتبقى معه أربعة آلاف ، كذا قال. وقد روى ابن جرير من طريق إسرائيل وسفيان الثوري ومسعر بن كدام عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب ، قال : كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، الذين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر ، وما جازه معه إلا مؤمن ، ورواه البخاري عن عبد الله بن رجاء ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن جده ، عن البراء بنحوه ، ولهذا قال تعالى : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) أي استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم ، فشجعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حق ، فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عدد ولا عدد. ولهذا قالوا (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢٥٢)
أي لما واجه حزب الإيمان ، وهم قليل من أصحاب طالوت ، لعدوهم أصحاب جالوت ، وهم عدد كثير (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) أي أنزل علينا صبرا من عندك (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) أي في لقاء الأعداء ، وجنبنا الفرار والعجز (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
قال الله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) أي غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) ذكروا في الإسرائيليات أنه قتله بمقلاع كان في يده ، رماه به فأصابه فقتله ، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ، ويشاطره نعمته ، ويشركه في أمره ، فوفى له ثم آل الملك إلى دواد عليهالسلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة ، ولهذا قال تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) الذي كان بيد طالوت (وَالْحِكْمَةَ) أي النبوة بعد شمويل (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ)