الكرسي.
وقوله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه ، وتحت قهره وسلطانه ، كقوله (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٣ ـ ٩٥].
وقوله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) كقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم : ٢٦] وكقوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عزوجل ، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة ، كما في حديث الشفاعة : «آتي تحت العرش فأخر ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال : ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع ـ قال ـ فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة».
وقوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، كقوله إخبارا عن الملائكة (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا ، وَما بَيْنَ ذلِكَ ، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم : ٦٤].
وقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عزوجل وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته ، إلا بما أطلعهم الله عليه ، كقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠].
وقوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس عن مطرف بن طريف ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قال : علمه ، وكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن إدريس وهشيم ، كلاهما عن مطرف بن طريف به ، قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير مثله ، ثم قال ابن جرير : وقال آخرون الكرسي موضع القدمين ، ثم رواه عن أبي موسى والسدي والضحاك ومسلم البطين.
وقال شجاع بن مخلد في تفسيره : أخبرنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن عمار الذهبي ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن قول الله عزوجل (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)؟ قال «كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزوجل» كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس ، فذكره وهو غلط ، وقد رواه وكيع في تفسيره ، حدثنا سفيان عن عمار الذهبي ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، عن