سننه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفا «الإضرار في الوصية من الكبائر» وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن عائذ بن حبيب ، عن داود بن أبي هند ، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفا ، وفي بعضها : ويقرأ ابن عباس (غَيْرَ مُضَارٍّ). قال ابن جرير : والصحيح الموقوف.
ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث ، هل هو صحيح أم لا؟ على قولين [أحدهما] لا يصح لأنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار. وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» (١). وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة ، والقول القديم للشافعي رحمهمالله ، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار. وهو مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه ، واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها ، قال: وقال بعض الناس لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم «إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث» وقال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] فلم يخص وارثا ولا غيره ، انتهى ما ذكره. فمتى كان الإقرار صحيحا مطابقا لما في نفس الأمر ، جرى فيه هذا الخلاف ، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم ، فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ). ثم قال تعالى :
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٤)
أي هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله ، فلا تعتدوها ولا تجاوزوها ، ولهذا قال (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه ، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ،
__________________
(١) صحيح البخاري (وصايا باب ٦) وسنن أبي داود (وصايا باب ٦). وسنن الترمذي (وصايا باب ٥) وسنن النسائي (وصايا باب ٥) وسنن ابن ماجة (وصايا باب ٦)