الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] وفي الصحيحين وغيرهما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلىاللهعليهوسلم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم امتثالا لأمر الله له بذلك ، وقد روى عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» رواه مسلم (١) وقالصلىاللهعليهوسلم «بعثت إلى الأحمر والأسود» ، وقال «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة».
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه : أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلىاللهعليهوسلم وضوءه ، ويناوله نعليه ، فمرض ، فأتاه النبي صلىاللهعليهوسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم «يا فلان قل لا إله إلا الله» فنظر إلى أبيه فسكت أبوه ، فأعاد عليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقول «الحمد لله الذي أخرجه بي من النار» رواه البخاري في الصحيح ، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٢)
هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب بما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله ، قديما وحديثا ، التي بلغتهم إياها الرسل استكبارا عليهم ، وعنادا لهم ، وتعاظما على الحق ، واستنكافا على اتباعه ، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم ، إلا لكونهم دعوهم إلى الحق (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) وهذا هو غاية الكبر ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «الكبر بطر الحق وغمط الناس».
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الزبير الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري نزيل مكة ، حدثني أبو حفص عمر بن حفص يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري ، حدثنا محمد بن حمزة ، حدثنا أبو الحسن مولى لبني أسد ، عن مكحول ، عن أبي قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟
قال «رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر» ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ
__________________
(١) صحيح مسلم (إيمان حديث ٢٤٠)
(٢) المسند (ج ٣ ص ١٧٥)