بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الآية ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون (١) رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوهم جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله عزوجل» وهكذا رواه ابن جرير (٢) عن أبي عبيد الوصابي محمد بن حفص ، عن ابن حمير ، عن أبي الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول به ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار ، وأقاموا سوق بقلهم من آخره ، رواه ابن أبي حاتم. ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق ، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا ، والعذاب المهين في الآخرة ، فقال تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي موجع مهين (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٥)
يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم ، وهما التوراة والإنجيل : وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، تولوا وهم معرضون عنهما ، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد ، ثم قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة في الدنيا يوما وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة. ثم قال تعالى : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي ثبتهم على دينهم الباطل ، ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات ، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم واختلقوه ولم ينزل الله به سلطانا ، قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله ، وكذبوا رسله ، وقتلوا أنبياءه ، والعلماء من قومهم ، الآمرين بالمعروف ، والناهين عن المنكر ، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ومحاسبهم وحاكم عليه ومجازيهم به ، ولهذا قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك في وقوعه وكونه ، (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
__________________
(١) في الطبري : «فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا ...».
(٢) تفسير الطبري ٣ / ٢١٦.