الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات ، في غرف الجنان العاليات ، ومغفرة الذنوب والزلات ، وحلول الرحمة والبركات ، إحسانا منه وتكريما ، ولهذا قال : (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل درجتين كما بين السماء الأرض» (١). وقال الأعمش عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «من رمى بسهم فله أجره درجة» فقال رجل : يا رسول الله ، وما الدرجة؟ فقال : «أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام» (٢).
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً(٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠)
قال البخاري (٣) : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة وغيره ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود ، قال : قطع على أهل المدينة بعث ، فاكتتبت فيه ، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته ، فنهاني عن ذلك أشد النهي ، قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم ، فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ، رواه الليث عن أبي الأسود.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري ، حدثنا محمد بن شريك المكي ، حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم بفعل بعض. قال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآية.
قال عكرمة : فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم. قال : فخرجوا ، فلحقهم المشركون ، فأعطوهم التقية ، فنزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ)
__________________
(١) صحيح مسلم (إمارة حديث ١١٦)
(٢) سنن النسائي (جهاد باب ٢٦) ومسند أحمد ٤ / ٢٣٥.
(٣) صحيح البخاري (تفسير سورة النساء باب ١٧)