نفس الأمر ، فنهاه الله عزوجل أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية ، وهي قوله : (فِي يَتامَى النِّساءِ) الآية ، كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه ، فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا فإن كانت جميلة وهويها ، تزوجها وأكل مالها ، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدا حتى تموت ، فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه. وقال في قوله : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات ، وذلك قوله : (لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) فنهى الله عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه ، فقال : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١ و ١٧٦] صغيرا أو كبيرا ، وكذا قال سعيد بن جبير وغيره وقال سعيد بن جبير في قوله : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) كما إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها ، كذلك إذا لم تكن ذات مال ولا جمال فانكحها واستأثر بها. وقوله : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) تهييجا على فعل الخيرات وامتثالا للأوامر ، وإن الله عزوجل عالم بجميع ذلك ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً) (١٣٠)
يقول تعالى مخبرا ومشرعا من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه معها ، وتارة في حال فراقه لها ، فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها ، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقها عليه ، وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ، ولهذا قال تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) ، ثم قال : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أي من الفراق ، وقوله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ، ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فراقها فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك.
ذكر الرواية بذلك : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله ، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ، ونزلت هذه الآية (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الآية. قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو