وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى ابن مريم من تاريخه عن بعض السلف أنه يدفن مع النبي صلىاللهعليهوسلم في حجرته ، فالله أعلم.
وقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) قال قتادة : يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من الله وأقر بعبودية الله عزوجل ، وهذا كقوله تعالى في آخر سورة المائدة (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ـ إلى قوله ـ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة : ١١٦].
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً(١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢)
يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة ، حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ، قال : قرأ ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم ، وهذا التحريم قد يكون قدريا بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم ، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم فحرموها على أنفسهم تشديدا منهم على أنفسهم وتضييقا وتنطعا ، ويحتمل أن يكون شرعيا بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك ، كما قال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) [آل عمران : ٩٣] وقد قدمنا الكلام على الآية ، وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها ، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [الأنعام : ١٤٦] أي إنما حرمنا عليهم ذلك ، لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ، ولهذا قال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ، ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء ، وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما.
وقوله : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل ، قال تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، ثم قال تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) أي